رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


قراءة في تنظيم صناعة الفضاء «1 من 2»

منذ انطلاق رحلة رائدي الفضاء السعوديين ريانة برناوي، وعلي القرني، من ولاية فلوريدا الأمريكية في مايو الماضي، على خطى أول رائد فضاء عربي، الأمير سلطان بن سلمان، تساءل البعض عن صناعة الفضاء وعن سوقها العالمية واقتصاداتها. وأعلن لاحقا نجاح التحام المركبة الفضائية بمحطة الفضاء الدولية بعد نحو 16 ساعة من الانطلاق، بينما قضى الطاقم الفضائي ثمانية أيام في المحطة الفضائية، وعملوا خلالها على عدد من المشاريع والأبحاث العلمية بما في ذلك الخلايا الجذعية والأبحاث الطبية الحيوية. إن صناعة الفضاء وتنظيمها يمثلان حجر زاوية للبدء بعلوم الفضاء والبعثات الاستكشافية في الفضاء، إضافة إلى تشجيع الاستثمار في صناعة الفضاء، وإنشاء شركات محلية، وإيجاد فرص جديدة، وتمكين الكوادر الوطنية من اكتشافات الفضاء وتقنياته.
لكن عند الحديث عن تنظيم الخدمات أو الصناعات، يتبادر إلى الذهن سلسلة القطاع التي تبدأ بالمشرع ثم المنظم ومقدمي الخدمة وأخيرا العملاء، فالمشرع يطرح أنظمة وقوانين لصناعة ما، ليقوم المنظم بدور الرقابة والتأكد من انضباط مقدم الخدمة من خلال سن لوائح تنظيمية ورخص ومعايير أداء وحفظ حقوق المستهلكين ومقدمي الخدمة الآخرين، وبما يخدم المصلحة العامة والصناعة بشكل عام. وللتذكير فإن أهم الصناعات التي تشمل الخدمات التنظيمية، على سبيل المثال لا الحصر، هي الكهرباء والماء والصرف الصحي والمخلفات والاتصالات والبريد والبيئة والغاز والغذاء والدواء والنقل والطيران المدني والموانئ، والخدمات المصرفية والبنكية وغيرها. ومن الملاحظ أن مساحة تنظيم الصناعة المعنية تكون محدودة داخل البلد، ولا يمكن أن تفرض على بلد آخر إلا إن كان بينهما اتفاق ثنائي أو اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي. لكن دعونا ننظر إلى صناعة الفضاء التي تشترك دول العالم قاطبة فيها، ولا يحق لأي بلد حق التملك الفضائي. إن صناعة الفضاء مصطلح يستخدم على نطاق واسع لوصف مختلف الأعمال والمنظمات المشاركة، ويشمل هذا المصطلح جميع السلع والخدمات المتعلقة بالفضاء، مثل السفر إلى الفضاء، والسياحة الفضائية، واستكشاف الفضاء، وتقنيات الفضاء، والتعدين الفضائي، وأي نشاط يتعلق بالفضاء ويرتبط به. وقد تشير صناعة الفضاء إلى الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بمكونات التصنيع التي تدخل الفضاء الخارجي سواء مدار الأرض أو ما بعده. ولقد ذكرت شركة ماكنزي في أحد تقاريرها أن سوق الفضاء نمت إلى ما يقرب من 447 مليار دولار، بعد أن كانت 280 مليار دولار في 2010، ويمكن أن تنمو إلى تريليون دولار بحلول 2030. ولا يختلف الاستثمار في الفضاء عن الاستثمار في الصناعات الأخرى، حيث هناك عديد من شركات الفضاء للاستثمار فيها بعد أن نضج نشاط التجارة الفضائية في العالم الآن واتسع نطاقه وتعددت مجالاته.
لقد بدأ عصر الفضاء في 1957 بإطلاق القمر الاصطناعي السوفياتي "سبوتنيك"، ثم أنشئت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في 1958 للإشراف على استكشاف الفضاء وأبحاث الطيران، وتعد "ناسا" من الوكالات الفضائية الدولية المشهورة، وهي وكالة حكومية أمريكية مسؤولة عن العلوم والتقنيات المتعلقة بالفضاء.
وإضافة إلى وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، أشهر وكالات الفضاء في العالم هناك وكالة الفضاء الفيدرالية الروسية "روس كوزموس"، ووكالة الفضاء الأوروبية، ووكالة الفضاء اليابانية "جاكسا"، ووكالة الفضاء الكندية، والإدارة الصينية الوطنية الفضائية، ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية وغيرها. الجدير بالذكر أن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي أنشئ في ديسمبر 1958 والذي يعد منظمة تتبع إلى الجمعية العامة ومكلفة بتنفيذ أبحاث متعلقة بالفضاء الخارجي وتقديم الدعم للدول النامية في مجال استخدام تقنيات الفضاء لأغراض التنمية الاقتصادية. بينما تعد سبيس إكسS الشركة الرائدة بلا منازع في مجال السفر واستكشاف الفضاء، إضافة إلى شركات Blue Origin وVirgin Galactic وBoeing وZERO-G وAirbus Group SE وAxiom Space.
تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن لأي دولة ادعاء السيادة والهيمنة في الفضاء ولا يمكن حق تملك الفضاء أو القمر أو أي جسم فضائي آخر والاستحواذ عليه، بل إن الأنشطة الفضائية تعمل لمصلحة جميع الدول، وأن أي دولة لها حق الحرية في استكشاف المدار وما بعده. وبالتالي تبرز صعوبة تنظيم صناعة الفضاء في أي دولة دون الانخراط مع العالم في معاهدات دولية وفي الأغلب ما تكون تحت سقف وإشراف الأمم المتحدة.
لقد كان الوضع في منتصف القرن الماضي أقل تعقيدا عندما كانت التقنيات الفضائية بسيطة، لكنها بدت في الاتجاه نحو التعقيد في القرن الماضي عندما أثير عدد من التحديات والمجابهات بين قطبي الحرب الباردة آنذاك: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حول تملك الفضاء والحماية من الاعتداء على ممتلكات الآخرين في الفضاء والحفاظ على البيئة والسلامة الفضائية وغيرها. ووقع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي معاهدة الفضاء الدولية، التي لعبت دورا مهما في إرساء المبادئ الأساسية لقانون الفضاء الدولي. وتشمل المعاهدات والاتفاقات الخمس لقانون الفضاء الدولي، وهي: عدم تملك أي بلد الفضاء الخارجي بمفرده، وتحديد الأسلحة، وحرية الاستكشاف، والمسؤولية عن الأضرار التي تسببها الأجسام الفضائية، وسلامة وإنقاذ المركبات الفضائية ورواد الفضاء، ومنع التدخل الضار في الأنشطة الفضائية والبيئية، والإخطار بالأنشطة الفضائية وتسجيلها، والبحث العلمي واستغلال الموارد الطبيعية في الفضاء الخارجي وتسوية المنازعات. ولقد بقيت هذه المعاهدة الوحيدة من نوعها، حيث لم يتم التوقيع على معاهدات أخرى تشمل القمر من قبل أي من القوى الفضائية الرائدة آنذاك... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي