الإعلان في عصر "البودكاست" .. إلى حضيض جديد
لقد قطع راسل براند شوطا طويلا منذ تجادل مع جيريمي باكسمان في مقابلة دعا فيها إلى ثورة اشتراكية ستنهي التفاوت بين الأغنياء والفقراء، قائلا إن الرأسمالية "فاسدة من جميع النواحي" ووصف الربح بأنه "كلمة قذرة".
بعدها بعشرة أعوام ها هو المليونير والخبير الروحي ومصدق نظرية المؤامرة يتملق تاكر كارلسون، ويصف المرشح الجمهوري للرئاسة رون ديسانتس بأنه "صديق"، ويسوق الكتاب الجديد اليائس لحاكم فلوريدا أمام 6.5 مليون متابع من مشتركيه على منصة يوتيوب الذين يسميهم "أعاجيب واعية". كما يسوق براند منتجات أخرى، من أي علامة تجارية صادف أنها رعت آخر حلقة من برنامجه الصوتي على منصة بودكاست، ستاي فري ويذ راسل براند.
في مقابلته الأخيرة الودية مع ديسانتس، قاطع براند الحديث ليروج ماركة معينة لملابس الرجال. قال براند، "الجو حار هذه الأيام، ولا أدري إن كنت كذلك يا رون، لكني أشعر بحر شديد. الصيف ليس مشكلة إذا كنت ترتدي ملابس من ماركة شيث". ثم أكمل مقدما للمشاهدين خصم 20 في المائة خاص جدا.
هذا ليس المثال الأكثر فظاعة أبدا في الآونة الأخيرة لهذا النوع من الإعلانات التي صادفتها. على عكس الإعلانات التقليدية التي تصدرها وكالات الإعلان، يتم عرض الإعلانات التي "يقرأها المضيف" هذه من مقدم بث بودكاست معين أو قناة يوتيوب، ولذا عادة يكون لها طابع ارتجالي ثرثار. وهذا يجعلها مؤثرة للغاية، ويعني أيضا أنه يتعذر تمييزها عن المحتوى الذي تم حشوها فيه في أكثر الأحيان.
في بداية حلقة حديثة من بودكاست ليكس فريدمان، في مقابلة وجها لوجه مع المفكر والكاتب يوفال نواه هراري، تحدث المضيف بجدية عن بعض تجاربه خلال رحلته. وقال، "لقد سافرت إلى بعض أصعب المناطق في الشرق الأوسط خلال اليومين الماضيين. لقد كان تحديا حقيقيا - عاطفيا ونفسيا وجسديا، الرحلة بأكملها. واقع الحرب والسلام، والقسوة والأمل، جميعها معا مؤرقة. مؤرقة".
كان فريدمان قد قرأ بالفعل إعلانات لـ"خمسة" رعاة مختلفين للبودكاست، ونحن أمضينا ثماني دقائق من زمن الحلقة حتى الآن. وتابع قائلا، "إذا لم أكن ممتنا سابقا، فهذا يجعلني ممتنا حقا لكوني على قيد الحياة، وتمتعي بصحة جيدة، وامتلاكي أشخاصا أحبهم في حياتي. على أي حال، في جزء من تلك الرحلة الصعبة، من المفيد أن يكون معي غرضا صغيرا من الوطن، ومن المؤكد أن أيه جي 1 هو ذلك الغرض".
إذا كنت من مستمعي البودكاست، فربما سمعت بالفعل عن أيه جي 1، هو مكمل صحي شامل يكلف 99 دولارا لما يكفي لشهر واحد من إنتاج شركة آثليتيك جرينز. تعد الشركة من أكبر المنفقين على إعلانات البودكاست، حيث أنفقت أكثر من مليوني دولار في يونيو، وفقا لشركة ماجلان أيه أي للأبحاث.
إعلانات البودكاست تجارة كبيرة. ففي الولايات المتحدة وحدها، بلغت إيراداتها 1.8 مليار دولار في 2022، وفقا لمكتب الإعلان التفاعلي، "آي أيه بي"، ومن المتوقع أن تتضاعف لتصل إلى أربعة مليارات دولار بحلول 2025. وقد ازدادت "الإعلانات المبرمجة" في الأعوام الأخيرة التي تستخدم الخوارزميات لاستهداف الأفراد، وبالتالي فهي مختلفة لكل مستمع ويتم تقديمها من أطراف ثالثة. لكن الإعلانات التي يقرأها المضيف لا تزال هي الأكثر شيوعا، فقد شكلت 55 في المائة من جميع إعلانات البودكاست في 2021، وفقا لـ"آي أيه بي". كما أنها تكلف أسعارا أعلى، لأنه يعتقد أنها تضفي موثوقية و"مصداقية" على الإعلان.
لكن مثل معظم الأشياء التي توصف بـ"المصداقية"، فإن هذه الإعلانات هي في الواقع عكس ذلك تماما، فهي تستغل الثقة التي تم تأسيسها من خلال علاقة "اجتماعية أحادية الجانب" - أو غير متكافئة - بين المضيف والمستمع.
ومن المربك للغاية أن تدرك فجأة أن الشخص الذي كنت تستمع إليه للتو يتحدث بمرجعية ومصداقية - مثلا، عن تهديد الصين، أو كيفية تجاوز علاقة فاشلة - يستخدم الآن الصوت نفسه لمحاولة إقناعك بأن القدرة على العثور على إخصائي على أحد التطبيقات هو تطور ثوري. ثوري جدا لدرجة أنه يجب عليك تحميل التطبيق على الفور واستخدام رمز الخصم الخاص بالمضيف.
متى قررنا جميعا قبول هذا المستوى من الخداع؟ لن نسمح أبدا بتبطين مثل هذا الترويج المخزي في مقال صحافي مثلا. الحدود الفاصلة بين المحتوى الحقيقي والدعاية التجارية ضبابية لدرجة أننا لا نستطيع التمييز بين الاثنين بشكل صحيح. وهذه قضية مهمة لأنها جزء من مشكلة مجتمعية أوسع وأكثر خطورة، وهي التقليل من قيمة الحقيقة.
يجب أن نرى الإعلانات التي يقرأها المضيف على حقيقتها، إنها جزء صغير مشبوه ومخادع من واجهة زائفة لتجارة الإعلان القذرة. دعونا نتخلص منها.