رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السياحة .. تنافسية الأسعار والتسهيلات

من الصعب الحديث عن السياحة والسفر اليوم دون أن تكون الانطلاقة من فهم الأثر العميق لوباء كوفيد- 19 في صناعة السفر وقطاع السياحة في العالم، ففي ذلك العام ومع توسع الإغلاق عانى قطاع السياحة خصوصا خسارة، قدرتها منظمة السياحة العالمية بنحو 2.4 تريليون دولار، نتيجة الآثار المباشرة وغير المباشرة للانخفاض الحاد في عدد السياح الدوليين. وكانت الدول التي يستند اقتصادها إلى السياحة من أشد الدول تضررا، ولا يزال عديد منها يكافح لتسديد الديون ومعالجة اختلالات الهيكل والطلب، لذلك لما عاد الاقتصاد العالمي إلى الانفتاح مرة أخرى لم تكن معظم هذه الدول قادرة على مواكبة العودة السريعة والنمو المتوازن، خاصة تلك المعتمدة على السياحة كدخل قومي أساسي ومورد مهم للعملات الأجنبية، لذلك اتجهت عديد من هذه الدول إلى البحث عن طرق جديدة لتحفيز السياح من جميع دول العالم وإيجاد ميزة تنافسية في سوق أصبحت توصف أنها صعبة، مع دخول لاعبين ووجهات عالمية جديدة.
عمقت أزمة كورونا من ظاهرة عدم المساواة على المستوى الدولي، حتى في الدول والمجتمعات الصناعية، وهي الظاهرة التي صنعتها العولمة سابقا عندما انتقلت الوظائف إلى دول تتوافر لديها العمالة منخفضة التكاليف، ونقلت الشركات متعددة الجنسيات عملياتها إلى دول نامية لا توجد لديها قوانين تتعلق بالبيئة والمناخ.
وتشير الدارسات الاقتصادية إلى أن تغيرات جوهرية في مستويات الدخل في الدول التي استطاعت جذب الشركات متعددة الجنسيات، كما استطاعت هذه الدول تطوير مفاهيم سياحية جديدة أيضا، من أجل تعزيز حرية تنقلات هذه الشركات وموظفيها، لكن تأثير كورونا كان ممتدا لدرجة أصابت سلاسل التوريد وتعطلت على أثرها المصانع في الدول الناشئة، وتفاقمت المشكلة مع العودة غير المتوازنة عندما استطاعت الدول المتقدمة العودة السريعة، بينما كانت الدول التي فيها المصانع لا تزال في صراع مع المرض وتعيش عزلة عن باقي دول العالم، وهذا تسبب -نوعا ما- في ظاهرة التضخم الكبير الذي ضرب الاقتصادات المتقدمة، نظرا إلى صعوبة الوصول إلى المخزونات، وإحداث شرخ في مفاهيم العولمة بشأن التصنيع والاحتفاظ بالمخزونات، حيث بدأت الولايات المتحدة وألمانيا مثلا دراسة تقصير سلاسل التوريد، ومن ذلك إعادتها إلى دول المنشأ أو ربما الحفاظ على إنتاج المدخلات الرئيسة قرب مواقع الإنتاج الخاصة بهذه الشركات، ولا شك أن لهذا الوضع أثرا بالغا في صناعة الطيران والتنقل في العالم وتدفقات العملات الأجنبية، وإذا كانت حرية التنقل والسفر ونمو هذه الصناعة تعدان من المحركات الرئيسة للعولمة، فإن مثل هذه الإجراءات ستعقد المشهد تماما، لذا لم يعد أمام الدول التي تعتمد على حركة النقل العالمية والسياحة إلا تسهيل إجراءات دخول البلاد والخروج منها، وأصبح ذلك توجها استراتيجيا لكثير من دول العالم من أجل تحقيق هدفين معا، الأول الحفاظ على منافع العولمة ورأس المال الأجنبي من الخروج ومن أجل تحفيز السياحة ثانيا، ويأتي إدخال وتوسيع أنظمة التأشيرات الإلكترونية كأحد أهم هذه الاتجاهات وأسرعها تطورا.
ومن المهم التأكيد هنا على أن ظاهرة التحول نحو أنظمة التأشيرات الإلكترونية قد بدأت قبل جائحة كورونا في دول مثل تايلاند وغيرها، ومع تزايد حمى المنافسة أصبحت الدول تعمل على تسهيل قواعد تأشيرة السفر والعمل وتبسيط عملية التقديم وتتنازل عن القيود الروتينية والأسعار المبالغ فيها للتأشيرات، لتشجيع السفر عبر الحدود، وهناك اليوم ما يقرب من نصف الدول الإفريقية تعمل على معالجة التأشيرات عبر الإنترنت، وقبل أيام عدة قررت روسيا أيضا دخول هذا المجال مع إطلاق خدمات الحصول على التأشيرة الإلكترونية، إذ أتاحتها لمواطني نحو 55 دولة، ولقد أكدت التجربة الروسية اليوم أن تطبيق التأشيرات الإلكترونية لم يعد محصورا على الدول الأقل نموا، بل إن كثيرا من الدول الغربية أصبحت تقدم هذه التسهيلات لكن لمواطني دول محددة، وهذا يدل على أن الأغلبية العظمى من الوجهات السياحية أصبحت تدرك مدى الحاجة إلى تسهيل التأشيرة الإلكترونية، لجذب مزيد من السياح والفوائد الاقتصادية الناتجة عن إزالة اشتراطات التأشيرات الصارمة، ولعل هذا يعود أيضا -جزئيا- إلى التأثير العميق للتطبيقات الإلكترونية الخاصة بالسفر، حيث أصبح السياح قادرين على إنهاء جميع متطلبات السفر عبر الإنترنت بدءا من حجز الطيران والفنادق.
وفي فضاء إلكتروني مثل هذا، فإن الدول التي توفر التأشيرات إلكترونيا وتتواءم مع التطبيقات تصبح أكثر جاذبية من تلك الدول التي تتطلب الحضور للعواصم والانتظار ساعات لاستكمال الإجراءات.
ووفقا لدراسات مختلفة، فإن للتأشيرات الإلكترونية مزايا وعيوبا، فمن مزاياها: خفض تكاليف معالجة بيانات المتقدمين وتقليل الأعمال الورقية والمعالجة اليدوية للطلبات وتكاليف المقار ومشكلات التكدس أمام السفارات.
ومن ذلك تحسين القدرة على تمويل إجراءات منح التأشيرات وتقليص ميزانية التوظيف والترتيب مع مزود الخدمة لاستخدام جزء من رسوم الخدمة، لتعويض النفقات المتعلقة بتشغيل النظام، ومن عيوبها: تزايد مخاوف الحكومات بشأن هويات المتقدمين، فلم يعد طلب التأشيرة يقتضي الحضور شخصيا، خاصة مع صعوبة في جمع البيانات (البيومترية) مثل: بصمات الأصابع والصور الرقمية، كما أن هناك احتمالات بشأن تزوير المستندات مثل خطابات الدعوة والحجوزات الإلكترونية، وفي بعض الأحيان يواجه النظام مشكلات في تحميل هذه المستندات، خاصة إذا كانت البنية التحتية ضعيفة تكنولوجيا، لكن هذه الصعوبات لا تشكل عائقا حقيقا أمام التقدم، لأن هناك طرقا مختلفة للتأكد من الهوية في المطارات، ومع شركات الطيران، كما أن اشتراطات دفع رسوم التأشيرة ببطاقات الائتمان تضمن التحقق من هوية العملاء.
وكما يبدو فإن التحول نحو التأشيرات الإلكترونية قد أصبح اتجاها عالميا يصعب تجاوزه أو تجاهله، وسيكون له دور واضح في إعادة تشكيل صناعة السياحة في العالم أجمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي