رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أمريكا واختلال المكانة الائتمانية

في العرف المالي وحسابات العوائد جرت العادة أن تعد السندات الحكومية الأمريكية خالية من الأخطار، وبذلك فالعائد على السندات الأمريكية يعد الأساس الذي يعتمد عليه في مقارنة عوائد الأصول المختلفة إلى درجة أن تكلفة الفرصة البديلة دوما تأخذ هذه العوائد الحكومية في الحسبان. لذا عندما يكون هناك أي اختلال في درجة تصنيف الحكومة الأمريكية، فإن ذلك يعد من الأحداث الكبيرة في الأوساط المالية، وحدث ذلك بالفعل قبل 12 عاما حين قامت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" بخفض تقييم الولايات المتحدة من AAA إلى AA+ محدثة وقتها ضجة كبيرة وانتقادات من الحكومة الأمريكية وشرائح متنوعة من المستثمرين في كل مكان.
عقب التصنيف الجديد، الذي أصدرته وكالة "فيتش" هذا الأسبوع، هناك الآن عدد من الدول تتفوق على الولايات المتحدة في جودة مكانتها الائتمانية وهي دول، مثل: أستراليا وألمانيا وسويسرا وسنغافورة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والدنمارك وهولندا والسويد ولوكسمبورج. ويتشابه تصنيف "فيتش" مع تصنيف وكالة "ستاندرد آند بورز" عدا أن الأخيرة تمنح كندا تصنيفا أعلى، وتمنح الاتحاد الأوروبي تصنيفا أقل من "فيتش".
من جانب آخر، هناك دول كبرى لديها تصنيفات أقل من المستويات العالية لهذه الدول وتتنوع الأسباب في ذلك بحسب الأوضاع المالية لكل دولة وطبيعة اقتصادها وتنوعه واستقرارها السياسي ومعايير عديدة أخرى، ويمكننا الاستناد إلى الترقيم المتبع من قبل مركز البيانات "اقتصادات تريدنج"، الذي يقوم بحساب متوسط تقييمات الوكالات الثلاث الرئيسة "فيتش وستاندرد وموديز" لكل دولة، إضافة إلى معايير خاصة بالمركز، فنجد أن الدول أعلاه تحصل على 100 نقطة وتنخفض أمريكا الآن إلى 98 نقطة. بحسب هذا التصنيف نجد أن دولا مثل إيطاليا لديها 62 نقطة، والمملكة المتحدة 87 نقطة، واليابان 77 نقطة، والصين 80 نقطة، بينما روسيا 14 نقطة، وتركيا 28 نقطة، ومصر 28 نقطة، ولبنان 11 نقطة، والمملكة العربية السعودية 76 نقطة، علما أن تصنيف المملكة من فيتش A+، ومن ستاندرد A، ومن موديز A1.
أسباب عدم حصول السعودية على أعلى درجات التقييم الممكنة من قبل وكالات التصنيف يعود لدور النفط في الاقتصاد السعودي وتقلب أسعار النفط، ولذا نجد أن رؤية المملكة 2030 تأتي لمعالجة ذلك من خلال استهداف رفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 في المائة إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، ورفع ترتيب المملكة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة الـ49 إلى الـ25 عالميا، والوصول بإسهامات القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلي من 40 إلى 65 في المائة، ورفع إسهامات القطاع الخاص في الناتج من 40 إلى 65 في المائة، وكذلك رفع مستوى الاستثمارات الأجنبية إلى المعدل العالمي 5.7 في المائة من الناتج المحلي.
لا تزال أصداء تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة تتوالى، ولو نظرنا إلى 2011 وتبعات خفض التصنيف في ذاك الوقت، فسنجد أنه حدث هبوط في مؤشرات الأسهم فترة قصيرة كرد فعل، وكذلك ارتفاع في عوائد السندات التي كانت 2.5 في المائة في ذاك الوقت للسندات العشرية، لكن هناك اختلافات جذرية بين الأوضاع الاقتصادية في ذاك الوقت مقارنة باليوم. خفض عام 2011 جاء عقب الأزمة المالية العالمية، حيث إن دولا عديدة كانت لديها أزمات مالية حادة كاليونان وإيطاليا، ولم يكن هناك برامج تيسير كمي في أمريكا، فاستطاع "الفيدرالي الأمريكي" تجاوز أي تأثيرات سلبية ناتجة عن التصنيف بإجراء عمليات شراء للسندات الطويلة، وذلك لمواجهة موجات البيع المتوقعة كردة فعل طبيعية لخفض التصنيف.
لا أحد يعلم عن مدى التأثيرات هذه المرة، لكن من الواضح أن الظروف المالية اليوم أسوأ من السابق، بينما المؤشرات الاقتصادية اليوم أفضل من السابق بسبب النمو الجيد للاقتصاد الأمريكي وانخفاض معدل البطالة، وهذه من الأسباب، التي جعلت إدارة الرئيس بايدن تنتقد بشدة قرار "فيتش" وتصفه بالعشوائي.
المعروف أن حساب عوائد سندات الشركات يرتكز على عوائد السندات الحكومية، فبحسب بعض الدراسات الأكاديمية يتم تسعير عوائد سندات أفضل الشركات، تلك التي تصنيفها AAA، بواقع 43 نقطة أساس فوق عائد سندات الحكومة الأمريكية، أي إن أفضل شركة أمريكية في التصنيف الائتماني تدفع نحو نصف نقطة مئوية للمستثمرين زيادة على العائد المتحقق من السندات الحكومية.
تحدث هناك تغيرات في مقدار التباين بين هذه العوائد، لكن لا تزال السندات الحكومية الأمريكية تعد أكثر أمانا من غيرها، ولكن إلى متى سيستمر ذلك؟ وما تأثيرات ذلك في عوائد الديون السيادية الأخرى وعوائد سندات الشركات، بل في تكلفة الاقتراض بالنسبة إلى الأفراد والشركات؟
ليس من المستغرب أن تتصرف وكالات التصنيف الائتماني بهذه الجرأة، فهي عرضة للانتقادات والتشكيك في مصداقيتها كوكالات تصنيف مستقلة، حيث بلغت الانتقادات حدتها أثناء الأزمة المالية العالمية في 2008 نتيجة عدم قيام أي من وكالات التصنيف الائتماني بالتحذير الاستباقي من الأخطار الائتمانية، التي كانت تتعرض لها المؤسسات المالية نتيجة استثماراتها المفرطة والمتهورة في المشتقات المالية وسندات الرهن العقاري وعقود المبادلات المتعلقة بهذه الوسائل. وعلى أثر هذه الأحداث طالبت الجهات التشريعية حول العالم بضرورة معالجة أوضاع هذه الوكالات وتغيير نماذج العمل المتبعة من قبلها. وهذه الوكالات تتبع أسسا معينة ومعايير محددة لتقييم درجات المخاطرة في الجهات التي تقوم بدراستها، سواء كشركات أو حكومات، ومن ثم تقوم بتعديل النظرة المستقبلية ولاحقا تقوم بخفض التصنيف أو رفعه، حسبما يستجد من تطورات لدى الجهة.
وكانت وكالة "فيتش" قد قامت بالفعل بإدراج أمريكا في قائمة المراقبة في مايو الماضي، وهو الأسلوب المتبع لإحاطة المهتمين والمعنيين باحتمال حدوث تعديل في التقييم، وهو ما تم بالفعل الأسبوع الماضي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي