رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اقتناص الفكرة الإبداعية أيا كان مصدرها

الإبداع ليس محصورا في مجال من مجالات الحياة، بل يشمل كل النشاطات في الطب والاقتصاد والتقنية والشعر، وفي المعرفة حين تكتشف القوانين والنظريات التي تفتح الآفاق لمنتجات لا تخطر على البال قبل اكتشاف النظرية، أو القانون. ومع أن الذهن ينصرف إلى المجالات المحسوسة عند ذكر الإبداع، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك، فما نظريات علم النفس وعلم الاجتماع وتطبيقاتها في الميدانين التربوي والإعلامي، وفي الإعلانات، والإدارة، إلا نماذج لإبداعات فكرية أسهمت في تطوير كثير من الأنشطة. كما أن الإبداع ليس محصورا في مرحلة عمرية، بل نجد شرائح عمرية مختلفة لها إبداعات، فأفراد في عمر الطفولة تفاجئنا أخبار إبداعاتهم التي تفوق أعمارهم، كما أن الإبداع ليس مقتصرا على ثقافة، أو عرق، أو منطقة جغرافية بعينها.
ريتشارد ابن لعائلة فقيرة أجبرها الفقر وظروف العيش البائسة في وطنها الأم على الهجرة إلى الولايات المتحدة، وعاشت الأسرة المكونة من 12 فردا في غرفة واحدة، وعاش ريتشارد هذا الظرف، إضافة إلى ما يتعرض له من تنمر في المدرسة، وعنصرية، نظرا إلى ضعف لغته الإنجليزية. ولسوء وضع عائلته الاقتصادي ترك الدراسة بعد المرحلة المتوسطة، وامتهن مهنا عدة لكسب المال لمساعدة أسرته، إلا أنه ببلوغه سن الـ18 التحق بوظيفة عامل نظافة في مصنع للمقرمشات، وظل على هذا الحال عشرة أعوام، إلى أن بدأت الشركة تعاني صعوبات مالية وخسائر لعدم القدرة على منافسة الشركات الأخرى ذات المنتجات الأكثر جاذبية للمستهلكين.
الوضع السيئ للشركة أجبر رئيسها للاجتماع بالموظفين، وإعلان إفلاسها، وإقرار فصل كثير من الموظفين على أمل أن يحل الإجراء المشكلة، وتتجاوز الظروف، ولحسن حظ ريتشارد أنه لم يكن من بين المفصولين، ومع طبيعة الوظيفة التي يشغلها ريتشارد، وعدم علاقتها بالإنتاج إلا أنه انشغل بوضع الشركة، وإمكانية فقدانه الوظيفة، وذات يوم وهو في السوبر ماركت لاحظ أن منتجات الشركات الأخرى للمقرمشات ذات نكهات متعددة، وذات طعم حار، وقدحت في ذهنه إمكانية إيجاد مقرمشات بنكهات مختلفة عما تنتجه شركته، وبالفعل أنتج الشيء نفسه في بيته المتواضع وحاول مقابلة رئيسه ليعرض عليه الفكرة، إلا أن محاولته باءت بالفشل، لعدم تمكينه من قبل سكرتيرة الرئيس التي رأت أنه لا يستحق مقابلته، إلا أنه أصر عشر مرات حتى اقتنع الرئيس بمقابلته لخمس دقائق فقط، وطلب ريتشارد من الرئيس تذوق المنتجات المقترح تبني الشركة إنتاجها، وبالفعل تذوق الرئيس بعضها، وأعجب بها، وبالفكرة، وطلب من ريتشارد الانتظار خارج المكتب.
دعا الرئيس إلى اجتماع عاجل مع مساعديه، وكبار الموظفين، وطرح عليهم الفكرة ليجد التأييد لتبني الفكرة، وتغيير الشركة منتجاتها بثوب جديد، ومذاقات مختلفة عن ذي قبل، وتكون باسم شيتوس، وخرج الرئيس واحتضن ريتشارد وعينه مساعدا له في الحال مع انخفاض مستوى تعليمه، وله نسبة من الأرباح، حتى كون ريتشارد ثروة وصلت إلى 14 مليون دولار، نتيجة تخطي الشركة الإفلاس، وارتفاع مبيعاتها إلى المليار دولار، وأصبح رائد أعمال ناجحا، حيث تبوأ منصب الرئيس التنفيذي لشركة بيبسي براتب شهري يبلغ مليون وربع المليون دولار شهريا.
قصة النجاح هذه تمثل كيف أن الانفتاح على الأفكار والمقترحات بغض النظر عن مصادرها، يمثل النضج الإداري لمن يتطلع لإنجاح منظمته، ويجعل منها علما في المجال، فلو أصر الرئيس على عدم مقابلة ريتشارد لأفلست الشركة، فهل يكون ديدننا الاستماع لبعضنا، والاستفادة من مختلف الآراء والمقترحات، إذ قد يكون فيها إبداع، حاجتنا ماسة إليه. حتما ليست كل الأفكار إبداعية، أو مفيدة، لكن فتح نافذة على 100 فكرة من بينها فكرة واحدة إبداعية ومفيدة سيكون أفضل من إغلاق النافذة. وكما ورد في الحديث «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي