التعدين الفضائي .. ماذا لو؟ «2 من 2»

تخيل معنا لو هبطت أسعار الذهب بحكم العرض العالي من جراء التعدين الفضائي. وهذا سيربك ويزعزع صناعة المجوهرات، وصولا إلى بعض التطبيقات الحالية للذهب، مثل تصنيع الكابلات الكهربائية باستخدام موصولات ذهبية. وقس على ذلك طب الأسنان ومستحضرات التجميل وأجهزة الطباعة والحاسب الآلي والإلكترونيات والهواتف المحمولة. وبالمثل في اضطراب احتياطيات البنوك المركزية والدول، حيث يتمثل أحد الأدوار الأساسية للذهب في البنوك المركزية في تنويع احتياطياتها الثمينة، وقس على ذلك بقية المعادن النادرة ومدى توسع تطبيقاتها إذا علمنا أن الصين تستحوذ على 80 في المائة من المعادن النادرة في العالم، وصراع المعادن النادرة في العالم يستحق مقالا وحده.
إن العودة لاستكشاف الفضاء بعد عقود من خيبة الأمل، وضعت مزيجا من التقنيات وانخفاض التكاليف والطاقة التنافسية من القطاع الخاص، إلى السفر إلى عالم الفضاء في المقدمة. ويعتقد عديد من الباحثين أن التطورات التجارية في صناعة الفضاء قد تكون على وشك بدء أكبر اندفاع للموارد في التاريخ، التي ستبدأ بالتعدين على القمر والمريخ والكويكبات. وفي حين إن هذا قد يبدو خياليا، فقد تم بالفعل اتخاذ خطوات نحو ذلك الهدف.
ففي 2020، منحت وكالة ناسا عقودا لأربع شركات لجلب كميات من التربة من القمر بحلول 2024 ودراسة المعادن بها، ما أدى فعليا إلى بدء عصر التعدين التجاري في الفضاء، وكما يعلم محبو الخيال العلمي، فإن موارد النظام الشمسي تبدو غير محدودة تقريبا مقارنة بتلك الموجودة على الأرض، وهناك كواكب أخرى وعشرات من الأقمار وآلاف من الكويكبات الضخمة وملايين الكواكب الصغيرة التي تحتوي بلا شك على كميات هائلة من المعادن النادرة والقيمة للغاية. ويتخيل الحالمون، بمن فيهم جيف بيزوس وإيلون ماسك، أن الصناعات الثقيلة يمكن أن تنتقل إلى الفضاء، وأن يصبح عالم الفضاء مناطق سكنية.
بينما يتطلع رواد الأعمال إلى تسخير الثروات خارج الغلاف الجوي، يظل الوصول إلى موارد الفضاء متشابكا في حقائق الاقتصاد والحوكمة، ويتم استغلال الفضاء حاليا بصورة فعالة، لأن الموارد الفضائية تشمل الأصول غير المادية، مثل المواقع المدارية، ووفرة أشعة الشمس التي تمكن الأقمار الاصطناعية من تقديم الخدمات إلى الأرض. ومن الملاحظ حقيقة أن الفضاء لا ينتمي إلى أي بلد مما قد يعتقد بالابتعاد عن صعوبة الأساليب التقليدية والإجراءات المتبعة لتخصيص الموارد وحقوق الملكية والتجارة، وسنتحدث لاحقا عن تنظيم صناعة الفضاء لاحقا، لأنها بالفعل ليست بالسهولة التي قد نتخيلها.
إن آفاق التعدين الفضائي مدفوعة بالتقدم التقني عبر صناعة الفضاء، وأدى ظهور مكونات الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام والواسع النطاق، إلى خفض تكاليف الإطلاق والعمليات. وتبرز الآن الشركات الخاصة كرائدة في تطوير الأنشطة الفضائية بما في ذلك السياحة المدارية والتصنيع المداري والأقمار الاصطناعية الصغيرة التي تقدم خدمات متخصصة.
ومع ما ذكر آنفا، توجد تحديات حقيقية في صناعة التعدين الفضائي، وتشمل التكلفة العالية للرحلات الفضائية والتعرف غير الموثوق به على الكويكبات المناسبة للتعدين، وتحديات استخراج المواد القابلة للاستخدام في بيئة فضائية مجهولة وغيرها. ولعل أهم تحد هو تشريع الأنظمة والقوانين الفضائية الدولية، حيث إن الفضاء لا يملكه أحد، ما قد يوجد نزاعا دوليا. ورغم أن أوجه عدم اليقين لا تزال مرتفعة في صناعة التعدين الفضائي، إلا أن التعدين الفضائي يبشر بتسريع استكشاف الفضاء وتعزيز الاقتصادات.
لقد رفضت فكرة صناعة الفضاء عموما، والتعدين الفضائي خصوصا، قبل بضعة عقود فقط باعتبارهما من صنع الخيال العلمي، لكن لم يعـد التعدين الفضائي حلما أو خيالا علميا، بل سوق تتواكب مع الاستكشاف والتصنيع والتطوير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي