عام 2075 .. نظرة استشرافية «3»

عودا على بدء، ذكرت في المقالين السابقين من هذه السلسلة من المقالات أن الدراسات المستقبلية، أو استشراف المستقبل، خليط من الماضي وخبراته المتراكمة والمعلومات المتاحة والمستخلصة منه للموضوع أو الظاهرة، محل الدراسة، والحاضر بمعطياته، وأن استشراف المستقبل يعد إحدى أهم أدوات التقدم والتطور والتحوط في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها.
سلطت الضوء على تقرير بنك جولدمان ساكس الاستشرافي" لاقتصادات العالم بحلول 2075، والذي توقعت فيه أن كلا من الصين والهند بالتوالي ستتربعان على عرش صدارة أكبر اقتصادات العالم، حيث يتجاوز اقتصاداهما اقتصاد الولايات المتحدة التي ستحتل المرتبة الثالثة، وأن قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم، بحسب توقع "جولدمان ساكس" من حيث إجمالي المحلي، ستخلو من دول أوروبا وروسيا!
في ختام المقال السابق، توقفت عند بعض الأسئلة التي يجب -في اعتقادي- أن تلتفت لها مراكز الدراسات المستقبلية وبيوت الخبرة العالمية، وأن تأخذها بجدية، وهي: كم من المتوقع أن يصل الاستهلاك العالمي للطاقة في 2075؟ وكم ستكون حصة النفط بين مصادر الطاقة الأخرى؟ وهل وتيرة الاستثمار في صناعة النفط الحالية كافية لسد الفجوة بين العرض والطلب في ذلك العام؟ في العقدين الأخيرين شهدت الصين نموا كبيرا في الطلب السنوي على النفط، حيث بلغ النمو في الطلب بين 2000 و2018 نحو 5.8 في المائة وهي نسبة مرتفعة.
تتوقع الصين أن يصل استهلاكها إلى ذروته في 2035 عند 705 ملايين طن، ويزداد استهلاك الغاز بشكل متسارع ليصل إلى 780 مليار متر مكعب بحلول 2050، وتتوقع أيضا أن يشكل النفط 18 في المائة من الطاقة الإجمالية لها في 2030 وينخض الاعتماد عليه إلى 15 في المائة في 2050. أما الغاز الذي تتوقع الصين أنه سيشكل 14 في المائة من إجمالي استهلاكها للطاقة في 2030، فسيرتفع الاعتماد عليه إلى 17 في المائة في 2050، بمعنى تعويض النفط بالغاز خلال تلك الفترة. بلغ استهلاك الطاقة العالمي في 2022 نحو 604 إكسا جول بزيادة في الطلب تقدر بنحو 3 في المائة عن مستويات ما قبل جائحة كورونا. الجدير بالذكر أن الوقود الأحفوري الذي يتكون من النفط والغاز والفحم شكل نحو 81 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة في العام ذاته.
خلال 2022 ارتفع الطلب على النفط بنحو 2.9 مليون برميل يوميا، ومن المتوقع أن يرتفع بالكمية نفسها في 2023، ولعل الطلب يرتفع -في رأيي- بأكثر من ذلك في حال تعافي أو انتعاش اقتصادات بعض الدول الرئيسة، مثل الصين والهند وأمريكا. مع النمو السكاني المطرد، وتوقع "جولدمان ساكس" دخول كثير من الدول الناشئة في قائمة أكبر اقتصادات العالم بحلول 2075، ما يعني أن زيادة الطلب على الطاقة من قبل هذه الدول بطبيعة الحال.
محاولة تقويض الاستثمار في صناعة النفط ستؤدي -في اعتقادي- إلى فجوة كبيرة بين العرض والطلب، ليس في 2075 وحسب، بل أقل من ذلك بكثير، ومن الممكن أن نشاهد هذه الفجوة خلال العقد الحالي في حال استمرار الاستثمار في صناعة النفط على وتيرته الحالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي