رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


تحديات أمام المدن الكبرى

وصل عدد سكان مدينة الرياض إلى نحو سبعة ملايين نسمة، وفق أحدث إحصاء سكاني رسمي أجري في 2022. وتحتل الرياض حاليا مركزا عالميا مرموقا ومهما، وتملك بنية تحتية حديثة وضخمة، وتنتشر على مساحات شاسعة تفوق مساحات بعض الدول. تنمو العاصمة الرياض بوتيرة سريعة، حيث سيتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة في عدة أعوام، وبذلك تنضم إلى قائمة المدن الحيوية والكبرى سكانيا كنيويورك وطوكيو ولندن وبكين. وهي المركز الاقتصادي الأهم في المملكة وربما المنطقة وتحتل أهمية عالمية متزايدة مع مرور الوقت. وتشهد العاصمة نشاطا اقتصاديا قويا متزايدا ومشاريع تنموية ضخمة. ومن المؤمل أن تصبح الرياض وجهة سياحية لملايين الزوار، ومركزا ماليا عالميا مرموقا، ومنارة للعلم والثقافة والريادة والبحث العلمي. ومع كل الإيجابيات المرجوة مستقبلا التي ستسهم في نمو المملكة والمنطقة ككل إلا أن الرياض مثلها مثل باقي المدن الكبرى ستواجه تحديات بدأ بعضها بالظهور.
يعد الزحام وصعوبة التنقل من أبرز التحديات التي تواجه المدن الكبرى. فمع توسع المدن وتضخم أعداد سكانها تزداد المسافات وتكتظ الطرق بوسائل النقل. وكلما تضخمت المدن وسكانها طالت المسافات وازداد هدر الأوقات في الطرقات، ما يرفع تكاليف الحركة ويعطل ساعات العمل، وتنفق المدن الكبرى مبالغ هائلة للتغلب على معضلات الزحام وإنشاء شبكات طرق وأنفاق وجسور ووسائط نقل مناسبة وفاعلة كالمترو، تسهل انسياب الحركة. والرياض تنتظر حاليا بدأ خدمات المترو، ما يستدعي التوسع في شبكاته وباقي وسائل النقل العام. وتنتشر الرياض على بقعة واسعة من الأرض وتوجد فيما بين أحيائها وأطرافها فراغات كبيرة غير مستغلة. وسيساعد استغلال هذه الفراغات أكثر على الحد من تكاليف تنميتها وتسهيل التنقل داخلها.
تحتضن المدن الكبرى حصصا كبيرة من أنشطة الدول الاقتصادية الصناعية والخدمية والتجارية، وتكثر فيها وسائل المواصلات، وترتفع فيها مستويات ونسب استهلاك الطاقة.
وفي المدن الكبرى في العالم ترتفع تكاليف المعيشة بسبب الضغوط السكانية على الموارد وارتفاع أسعار العقارات وتكاليف بعض الخدمات. ويقود هذا الارتفاع إلى الضغط على الأجور ورفع تكاليف العمل والإقامة فيها. وهذا سيجبر المشغلين عاجلا أم آجلا على رفع الأجور مقارنة بمستوياتها في باقي البلاد. ومن المعروف أن تكاليف السكن في المدن الكبرى تتفاقم مقارنة بالتجمعات السكانية الأخرى، ما يفاقم أعباء السكن على الشرائح السكانية المستأجرة ويصعب ملكية المساكن. وتشكل تكاليف السكن نسبة كبيرة من إنفاق الأسر المستأجرة وترتفع بحدة في المدن الكبرى. وفي الوقت نفسه يرتفع العائد من ملكية العقارات والأعمال في المدن الكبرى، وقد يتركز منخفضو الدخل في أحياء محددة تنخفض فيها مستويات المعيشة ورفاهية السكان. في المقابل، تتكون أجزاء تتركز فيها الشرائح فائقة الثراء ومتميزة في تخطيطها وخدماتها وجمال بنيتها. وللتغلب على هذه الإشكالية لا بد من تصدي السياسات العامة ممثلة ببرامج الحماية الاجتماعية للفروقات الاقتصادية. لكن هذا قد لا يكون كافيا في المدن الكبرى، لهذا تحتاج إلى سياسات وبرامج خاصة، وربما سياسات إسكان إضافية للحد من الاختلالات الاجتماعية والتصدي لآثارها السيئة.
إضافة إلى التحديات السابقة، تواجه المدن الكبرى عددا آخر من التحديات التي من بينها الضغوط المتزايدة على الموارد والخدمات العامة "الصحية والتعليمية" والأساسية، كإمدادات المياه والطاقة الكهربائية. ومن المتوقع أن تتزايد الحاجة إلى مزيد منها مع إنجاز المشاريع والزيادات السكانية. وقد يكون من الأسهل توفير الطاقة، لكن توفير المياه يزداد صعوبة مع مرور الوقت. ويعد شح المياه من أبرز التحديات التي تواجهها دول كثيرة بمدنها، ولا توجد حلول سهلة للتغلب على شح المياه، ولا بد من السعي حثيثا نحو حلول إبداعية وقد تتطلب تضحيات ليست بالهينة.
من جانب آخر، تكبر مع المدن الكبرى معضلات التعامل مع الكوراث الطبيعية أو حتى المصطنعة، لهذا لا بد لهذه المدن من وجود برامج جاهزة للتنفيذ في حالة حدوث مكروه، لا سمح الله.
التحديات أمام المدن الكبرى متعددة وبعضها صعب، لكن لا بد من التصدي لها مبكرا قبل استفحالها لخفض تكلفة التعامل معها والحد من سلبياتها. ومن المتوقع أن يساعد التقدم التقني في التغلب على بعضها، ومع ذلك لا بد لكل مدينة من وضع السياسات والبرامج المناسبة التي تتلاءم مع خصوصياتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي