توظيف مرتفع وعمل أقل .. هناك شيء لم يتم تفسيره
لمدة عامين أو أكثر، كان صناع السياسة يشكون من أن أسواق العمل كانت "ساخنة"، و"ضيقة" و"قوية". قالوا إن هذا أدى إلى مشكلات، بدءا من "نقص" العمال في فترة التعافي المبكرة التي أعقبت الجائحة، "رغم أنني جادلت في ذلك الوقت بأن تلك المشكلات كانت نعما مستترة"، تلاها ضغوط تضخمية على مدار العام ونصف العام الماضيين. كانت التدابير الكمية الرئيسة التي قام عبرها جميع هؤلاء الخبراء الاقتصاديين بتقييم درجة السخونة، والضغط والقوة، أظهرت أن نسب شغور الوظائف "مرتفعة" والبطالة "منخفضة".
لكن هذه ليست التدابير الوحيدة التي يمكن للمرء أن يفكر فيها. إذ إن معدل التوظيف هو مقياس آخر واضح لقوة سوق العمل. في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تراجع هذا المعدل إلى دون أو عند مستويات ما قبل الجائحة "اعتمادا على كيفية تعديلك له بالنسبة إلى عدد السكان". بعبارة أخرى، بعيدا كل البعد عن السخونة أو الضيق.
لم يكن الأمر كذلك في الاتحاد الأوروبي، حيث كسرت معدلات التوظيف والنشاط الأرقام القياسية القديمة. لكن هناك، أيضا، يبدو ضغط سوق العمل ضعيفا عند قياسه بالساعات. وفي منطقة اليورو، لم يتعاف متوسط ساعات العمل المشتغلة أبدا إلى مستويات ما قبل الجائحة. "أما بالنسبة إلى المملكة المتحدة، فقد عانت الركود في كلا المقياسين".
كتبت زميلتي دلفين شتراوس مقالا جميلا أخيرا أكد التناقض بين الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. فكما يظهر الرسم البياني الخاص بها، ارتفعت ساعات العمل والوظائف معا في الولايات المتحدة، بينما تأخرت ساعات العمل عن الوظائف في منطقة اليورو. ولكن لنأخذ الارتفاع الحاد في إجمالي عدد الوظائف في الولايات المتحدة مع القليل من التشكك، لأنه يعكس جزئيا النمو السكاني. لم تحقق المعدلات التفصيلية للتوظيف والمشاركة في القوى العاملة "كنسبة من السكان" أداء جيدا، وكانت أقل إثارة للإعجاب منها في الاتحاد الأوروبي.
إن وجه التشابه هو في أنه في كلا المنطقتين الاقتصاديتين، كان متوسط ساعات العمل المشتغلة راكدا. ففي منطقة اليورو، بلغت ذروتها دون مستويات ما قبل الجائحة في ربيع 2022 وهي في تراجع منذ ذلك الحين "رغم أن أحدث البيانات تظهر الآن أنها ارتفعت في الربع الأول من هذا العام". وفي الولايات المتحدة، وصل إلى ذروتها قبل ذلك بعام، فوق مستويات ما قبل الجائحة، التي تراجعت إليها منذ ذلك الحين.
إذن إليك سؤال، لماذا، في وقت يفترض فيه أن هناك طلبا مفرطا على العمالة، يعمل الناس لساعات أقل مما اعتادوا عليه؟ أو من وجهة نظر الشركات، لماذا لا "يعملون بكدح في الهامش المكثف" - مصطلح مستخدم لجعل الموظفين الحاليين يعملون لساعات أطول؟ ولماذا ينخفض متوسط ساعات العمل عندما يجبر أصحاب العمل على رفع الأجور - كما يتم اخبارنا كتفسير للتضخم - للحصول على عدد كاف من العمال لتلبية الطلب الذي يواجهونه؟
وهذا مهم للغاية بالنسبة إلى الرأي السائد بأن نمو الأسعار المرتفع على جانبي المحيط الأطلسي هو على الأقل انعكاس بشكل جزئي لضغوط الطلب المفرطة، وبالتالي يجب على البنوك المركزية اتخاذ إجراءات صارمة ضد نمو الوظائف والدخل لخفض التضخم مرة أخرى. يمكنك فقط تبني هذا الرأي إذا كنت تعتقد أن أسواق العمل ضيقة للغاية بالفعل. لكن الانخفاض المستمر في متوسط ساعات العمل يبدو بالتأكيد وكأنه ركود في سوق العمل.
بعبارة أخرى، يعد متوسط ساعات العمل نقطة بيانات ينبغي أن تجعلنا نتساءل عما إذا كنا لا نواجه طلبا إجماليا زائدا على الإطلاق. إنه يثير احتمالية أنه ليس لدينا ما يكفي من الطلب لجعل الناس يعملون طوال ساعات عملهم. كيف يمكن أن يكون هناك ركود في الاقتصاد ومعه هذه الضغوط التضخمية العالية، كما تتساءل؟ لكن ليس من الصعب تخيل ذلك. عد إلى أي ركود سابق، وافترض أن أسعار الطاقة قد زادت بعد ذلك عشرة أضعاف، كما كان الحال حتى صيف 2022. بالطبع، ستحصل على حالة سيئة من الركود التضخمي.
هذه، بالطبع، ليست وجهة النظر السائدة. لكن بما أنني لا أتبناها، فلست الشخص المناسب للدفاع عنها. لكن هناك بعض المحاولات الواضحة التي يمكن للمرء القيام بها. إن إحدى المحاولات غير الممتازة استبعاد انخفاض متوسط ساعات العمل المشتغلة لأن العلامات الأخرى، مثل معدلات الشغور والنمو المرتفع للأجور، تظهر بوضوح ضيقا. لكن نسب الشغور المرتفعة يمكن أن تعكس إعادة توزيع الوظائف بسرعة بعد الجائحة. وفي الوقت نفسه، ترتفع الأجور الاسمية بنسبة أقل من الأسعار، ومن المؤكد أن الأجور الحقيقية المنخفضة لا تمثل علامة على نفاد المعروض من العمالة.
سيكون الرد الأفضل في القول إن نمط الحياة والتغيرات الصحية بعد الجائحة تعني أن الناس يريدون العمل لساعات أقل - أي انخفاض دائم في المعروض من العمالة. وتستخدم هذه الحجة نفسها لشرح سبب عدم إمكانية ارتفاع معدلات التوظيف أكثر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حتى لو كانت أقل من المستويات المرتفعة التاريخية "حتى مع تعديلها وفقا للشيخوخة". لكن من الواضح أن هذا لم يمنع التوظيف من تحطيم أرقام قياسية جديدة في منطقة اليورو، لذلك بالتأكيد لا يمكن للمرء أن يفسر ساعات العمل الأقصر هناك أيضا. وفي الولايات المتحدة، يبدو أن متوسط ساعات العمل قد انخفض في جميع المجالات، وكذلك في القطاعات التي تشهد نموا سريعا في التوظيف، مثل النقل والتخزين.
إذا كان متوسط ساعات العمل ينخفض في عدة قطاعات، فهذا يعقد تفسيرا آخر أكثر منطقية في ظاهره. وهذا التفسير هو أن نمو الوظائف قد حدث بشكل غير متناسب في القطاعات التي ينخفض فيها متوسط ساعات العمل لأسباب طويلة الأجل، ومن غير المحتمل أن تتغير. قد يكون هذا جزءا مما يحدث في منطقة اليورو، تشير شتراوس إلى أن ثلث نمو الوظائف فيها كان في القطاع العام، أكثر من نصيبه من إجمالي العمالة. "هناك اختلافات كبيرة - فجميع الوظائف الجديدة في إسبانيا وألمانيا تقريبا هي وظائف في القطاع العام، في حين أن جميع الوظائف الموجودة في فرنسا وإيطاليا تقريبا في القطاع الخاص". نظرا إلى أن ساعات العمل أقصر في القطاع العام، فقد يفسر ذلك التحول الأولي لانخفاض متوسط الساعات. لكن منذ الصدمة الأولية للجائحة، فإن الفترات التي كان فيها متوسط ساعات الركود لا تتوافق بشكل جيد مع الوقت الذي كان فيه نمو الوظائف في القطاع العام متقدما على المجموعة. خلال 2022، لم تنم وظائف القطاع العام بشكل أسرع وفي الأغلب ما كانت أبطأ من التوظيف بشكل عام - وحدث الانخفاض في عدد الساعات في ذلك العام في جميع القطاعات الكبرى تقريبا.
لا شك في أننا نستطيع أن نعزو بعض الانخفاض في متوسط ساعات العمل إلى كل من هذه التفسيرات. لكن يبدو أنه لا يزال هناك شيء لم يتم تفسيره. وهذا الشيء يشبه إلى حد كبير الركود في سوق العمل.