التمييز في التعليم وفرار البيض من الأقليات

التمييز في التعليم وفرار البيض من الأقليات

أسبوع آخر، وموجة أخرى من الجدل المرير حول التعليم الأمريكي. فبعد أربعة أسابيع من إثارة المحكمة العليا غضبا بحظرها التمييز الإيجابي للأقليات في قبول الجامعات، فتحت وزارة التعليم تحقيقا بشأن الحقوق المدنية في سياسة القبول في جامعة هارفارد. وجاء ذلك في أعقاب مزاعم بأن تفضيل أقارب الخريجين والمتبرعين يميز ضد المتقدمين من السود وذوي الأصول الإسبانية واللاتينية والآسيوية.
سيبدأ هذا موجة من القلق الأبوي - والسياسي - التي ستشتد بلا شك مع اقتراب الجولة التالية من طلبات الالتحاق بالجامعة، إلى جانب الانتخابات الرئاسية لـ2024.
لكن إذا كنت تريد منظورا آخر لهذه السردية، فمن الجدير النظر إلى قصة تكشفت بهدوء على مدار أعوام في بيئة مختلفة، المدارس الثانوية العامة في مناطق وادي السيليكون مثل كوبرتينو، حيث يوجد مقر شركة أبل.
منذ ما يقارب عقدين، ظهرت تقارير هناك حول ما يسمى "هجرة البيض" أو رحيل العائلات القوقازية. لكن لم يكن هذا مثل النزوح الجماعي الذي شوهد في أوائل القرن الـ20 إلى منتصفه، عندما فرت العائلات البيضاء من الأحياء بعد أن انتقلت عائلات أمريكية من أصل إفريقي أو من أصل إسباني - بسبب عنصريتهم وخوفهم من الجريمة وانخفاض أسعار المساكن.
غير أن تقارير أشارت إلى أن الآباء البيض كانوا يسحبون أبناءهم من المدارس العامة في ضواحي كاليفورنيا تلك، لأنهم يخشون أن يتفوق عليهم الأطفال الأمريكيون الآسيويون.
في تلك الأيام، استخف مسؤولون محليون بأهمية هذه الحكايات الحساسة سياسيا. أصر ستيف رولي، مدير مدرسة في كاليفورنيا، على وجود دليل واقعي "واهن نسبيا" على هذا النزوح. لكن هذا الشهر، نشر ثلاثة خبراء اقتصاديين، ليا بلات بستان وكريستين كاي وتامي تسينج، أول دراسة مستفيضة تستند إلى بيانات حول هذه القضية. وهذه الدراسة تخلص إلى أن حكايات "النزوح الأبيض" صحيحة بالفعل.
أبرز ما فيها، بعد تحليل بيانات السكان والاقتصاد والالتحاق بالمدارس في المناطق ذات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية العالية في ضواحي كاليفورنيا بين 2000 و2016، جادل الخبراء بأن وصول كل طالب آسيوي جديد كان مرتبطا بمغادرة 0.6 من الطلاب البيض. وعند تعديل ذلك حسب العوامل السكانية، "في المتوسط، يؤدي وصول طالب آسيوي إلى منطقة تعليمية في الضواحي إلى مغادرة 1.5 طالب أبيض". ويلاحظون أن "معدل النزوح الأبيض هذا أقل نوعا ما لكنه لا يختلف كثيرا عن النزوح بسبب قدوم سكان سود أو من أصل إسباني ولاتيني والموثق في أماكن مختلفة".
بالطبع، يمكن أن يكون لهذا النمط أسباب متعددة، ليس أقلها المشكلات الأكبر في نظام المدارس الحكومية في أمريكا. لكن لا يبدو أن العوامل التي أشعلت شرارة "نزوح البيض" من الوافدين الأمريكيين من أصل إفريقي ومن ذوي الأصول الإسبانية مسؤولة عن ذلك - وأبرز تلك العوامل العنصرية والجريمة وأسعار المنازل. حيث تتميز مناطق الوضع الاجتماعي والاقتصادي المرتفعين بانخفاض معدلات الجريمة وارتفاع أسعار المساكن. ومع أن أبحاثا أخرى أجراها علماء نفس تجريبيون تشير إلى أن العائلات البيضاء ترى أحيانا الأمريكيين الآسيويين "تهديدا ثقافيا أجنبيا" في مواقع أمريكية أخرى، يرى الاقتصاديون أدلة ضعيفة على العداء العلني في كوبرتينو.
بل أشار الباحثون إلى التعليم كونه سببا محتملا للنزوح، فقد أراد الآباء البيض ارتياد أطفالهم مدارس عامة في مناطق أخرى، حيث يمكنهم أن يتصدروا الفصل، ومن ثم تتاح لهم فرصة أكبر لدخول جامعات كاليفورنيا، والتي تشدد على ترتيب الطالب في الفصل في عملية القبول.
يذكر المؤلفون، "يؤدي انضمام وافدين آسيويين إلى رفع درجات اختبارات كامل المجموعة الطلابية في هذه المناطق ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي المرتفعين، لكن انضمامهم لا يرفع معظم مقاييس درجات اختبارات الطلاب البيض. حيث يبدو أن تعلم الطلاب البيض لم يتأثر بالهجرة لكن الأداء النسبي في الفصل للطالب الأبيض المتوسط سينخفض مع دخول طالب آسيوي (...) وهو ما يثير مخاوف الوالدين بشأن المنافسة".
من غير المرجح أن يثير هذا تعاطفا كبيرا من الجمهور الأمريكي الأوسع، بالنظر إلى أن العائلات "الفارة" ربما تكون من النخبة - ونتائج الأطفال البيض التعليمية أفضل بالفعل من العائلات الأمريكية من أصل إسباني ومن أصل إفريقي في كاليفورنيا.
لكن هذا النمط يلفت النظر لثلاثة أسباب على الأقل. أولا، يظهر هذا النمط مدى إرباك وسم "الأقلية" وعدم جدواه اليوم، لأنه ليس مرادفا للحرمان دائما، فالفروق الاقتصادية أكثر أهمية. في الواقع، شارك مدعون من أصول آسيوية في البداية في الدعوى القضائية التي انتهت بحكم المحكمة العليا الشهر الماضي، لأنهم شعروا أن الجامعات تمارس التمييز ضدهم. "64 في المائة من الأمريكيين الآسيويين يعارضون أخذ العرق في الحسبان في القبول الجامعي".
ثانيا، تؤكد السردية أيضا كيف أن القلق العرقي الذي يستحوذ على الجامعات الأمريكية يبدأ في سن مبكرة، لأن ترتيب المدارس الثانوية يحدد القبول. وهذا يقود إلى نقطة ثالثة، من الصعب للغاية إنشاء نظام تعليمي "عادل" و "متنوع" عندما يكون الآباء الأذكياء بارعين جدا في المراجحة.
بالطبع، نظريا، ينبغي أن يشعر الجميع بالسعادة لوجود طلاب عباقرة من أي عرق في مدارسهم الحكومية. لكن الآباء يشعرون أيضا أن المنافسة المستقبلية على وظائف النخبة ستحتدم أكثر، وليس أقل، لأسباب ليس أقلها أن أبحاثا أخرى عن عدم المساواة تظهر أن علاوة الأجور لما يسمى بالوظائف "التحليلية"، مقارنة بالمهن المعرفية الروتينية، قد ارتفعت من 1.5 إلى 1.9 مرة في الـ50 عاما الماضية.
وفي هذا الصدد، إذا، حقيقة أن هذا النمط ظهر في الضواحي المحيطة في مقر شركة أبل أمر معبر جدا ورمزي. إنه مقدمة للتوترات التي ستستمر في تسميم سياسات التعليم الأمريكي فترة طويلة.

الأكثر قراءة