الهياكل التنظيمية .. مدارس أم حلول؟
يصر مدير الإدارة على وجود قسمين فقط تحت إدارته، فهو يريد التركيز ولا يستطيع التعامل مع أكثر من اثنين من مشرفي الأقسام. آخر يدخل في جدال طويل لإثبات وجهة نظره بأن العمل كثير جدا ويتطلب فريقا أكبر ومستوى أعلى لمديري الفرق عنده، لذا يجب ترقية جميع المستويات الوظيفية وتغيير مكونات النموذج التصميمي للهيكل على وجه السرعة. وهناك من يعتقد بأن تخصيص الفرق حسب منطقة التركيز والعمل هو الحل الوحيد لمشكلات إدارته مع الإدارات الأخرى، فهو يريد فريق محاسبة لكل منطقة من مناطق المبيعات، محاسب لكل فرع، ومسؤول خزينة لكل فرع. تمثل هذه التوجهات والأحاديث الناتجة عنها منطقة احتكاك طبيعة في نقاشات الهيكل التنظيمي. ومع أنها طبيعية، ومفهومة، إلا أنها تصبح حادة أحيانا فتتحول إلى مواجهة محتدمة أو جدل عقيم. تدخل كل هذه الأحاديث تحت باب أساليب تصميم وتطبيق الهياكل التنظيمية، وهو مجال واسع متعدد الخيارات وقابل لسوء الفهم وسوء التنفيذ.
نسمع أن هناك من الرؤساء التنفيذيين من يقدر الهياكل التنظيمية المركزية ولديه استعداد لتغيير نموذج العمل للتحول إلى ما يعرف من هيكلة تخدم في نظره أهداف المنظمة التي يعمل فيها. وآخر يحلم بتطبيق الهيكل المصفوفي في كل منظمة يذهب إليها ويفشل دائما في التطبيق لأنه لا يتمكن من حل مشكلة التواصل وهي ضرورية جدا في هذا النوع من النماذج.
لدى المختصين نماذج متعددة وأساليب مختلفة لتصميم وتنفيذ الهياكل التنظيمية، وهناك بالطبع آراء مختلفة لما يمكن القيام به في أي حالة منظورة تتم دراستها وإدارتها. ودائما ما تخسر المنظمات بسبب حالة عدم الاتفاق على ما يجب عمله. إذا نظرنا إلى أسباب الاختلاف حول هذه الخيارات سنجد أن هناك أسبابا منطقية وأسبابا غير منطقية، ومع الأسف تختلط معا هذه الأسباب وتضعف بالتالي جودة القرارات المتخذة.
من الأسباب غير المنطقية التي تؤثر في اختيارات الهيكل التنظيمي الرغبات الشخصية وهذا ما يقوم به كثير من القادة، إذ يضعون رغباتهم كأولويات ثم يحاولون تبريرها بالحقائق ويبتعدون عن استخدام المنطق والدراسة والموضوعية ويبتعدون عن الخيار الأفضل. وبالمبدأ نفسه يؤثر الصراع في السلطة أو سوء فهم الأعمال في هذه التوجهات والاندفاعات. تتحول أحيانا برامج خفض التكلفة إلى مسبب قوي للتغيير الهيكلي غير المبرر أو غير المدروس بشكل كاف. من المثير أن اتباع الموضة يعد أحيانا أحد أسباب اختيار النماذج التشغيلية والتنظيمية، إذ تأتي شركة وتقول نريد هيكلا منبسطا مثل "جوجل" أو "أمازون" دون تفكير في الملاءمة أو الثقافة المحلية أو المتطلبات السابقة ويتفاجأون لاحقا بالتبعات. وهناك طبعا تأثيرات غير منطقية أخرى مثل التعنت في اتباع مدارس إدارية محددة "المدرسة الكلاسيكية والإصرار على النموذج الهرمي"، أو أخذ بعض الاعتبارات الفكرية والأيديولوجية أو ترك الأمور للصدف والعشوائية.
إذا نظرنا إلى الأسباب المنطقية نجد أن ثقافة المنظمة المستهدفة مع الثقافة الحالية تأتي في المقدمة. يعد كذلك أسلوب القيادة ـ وليست الرغبات المحضة ـ مؤثرا في اختيارات النماذج التنظيمية. وبالطبع المواءمة بين القدرات المتوافرة وبين متطلبات الأداء أمر مهم، لهذا يعد كل من تحسين الأداء والتواصل والإنتاجية من النقاط المؤثرة. تؤثر كذلك التنظيمات واللوائح في هذه الاختيارات، فقد يكون هناك تركيز معين على نواحي الجودة أو الاستقلالية في قطاعات معينة وفقا للمتطلبات التنظيمية في ذلك القطاع. وبكل تأكيد تمثل احتياجات العملاء أهم أولويات الاختيارات التنظيمية التي يجب أن تقود الهيكل نحو مسار يستهدف تحقيق متطلبات العميل وكسبه والتأثير فيه.
لا يمكن الإنكار على أصحاب وجهات النظر المختلفة تجاه الهياكل التنظيمية واختيارات تفاصيلها. ولكن الهياكل التنظيمية ليست من مسائل الذوق أو موضوع فكري ليخضع للجدل والمرافعات الفارغة، وليست ميدانا للصراع حول السلطة. الهيكل التنظيمي أداة أساسية في كيان المنظمة التي تهدف إلى صنع قيمة يعجز عن صنعها الأفراد. قام المختصون بدراسة القواعد والآليات التي يجب أن تستخدم للخروج بحل تصميمي قابل للتنفيذ وفق معطيات محددة وملائمة ليصنع الفارق، وهذا ما يجب أن يحدث.