الإدارة الاقتصادية من أجل التحول الأخضر «2 من 2»
تتطلب الركيزة الثانية التي يقوم عليها فن الإدارة الاقتصادية الأوروبية تعزيز قوة سوقنا الداخلية وعلاقاتنا التجارية مع بقية العالم. وبالفعل، يعمل الاتحاد الأوروبي على توسيع مجموعة أدواته لحماية الأعمال المحلية، من خلال تدابير ترتبط على سبيل المثال بأمن البيانات والبنية الأساسية الحرجة. في الوقت ذاته، يستفيد الاتحاد الأوروبي من حجمه لضمان المعاملة بالمثل من جانب شركائه. فلا تستطيع شركة من دولة ثالثة تقديم عطاءات لمناقصة عامة في الاتحاد الأوروبي إذا لم يفتح بلدها الأصلي عطاءات مماثلة أمام الشركات الأوروبية.
يسعى الاتحاد الأوروبي أيضا إلى معالجة القسر الاقتصادي والممارسات المشوهة للسوق. وستعمل أداة مكافحة الإكراه، التي توصل البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي إلى اتفاق سياسي نهائي بشأنها أخيرا، على تمكين الاتحاد الأوروبي من الاستجابة لسياسات الذراع القوية الاقتصادية من جانب الخصوم. على نحو مماثل، تعمل ضوابط تنظيم فحص الاستثمار، التي اعتمدت في 2019، على تمكين الاتحاد الأوروبي من منع الملكية الأجنبية للشركات الاستراتيجية أو الاستحواذ عليها.
أما الركيزة الثالثة فتتمثل في إبراز معاييرنا وطموحاتنا خارج أوروبا. لتحقيق هذه الغاية، أطلق الاتحاد الأوروبي جهودا منسقة متضافرة لتعزيز نفوذه في الهيئات متعددة الأطراف واستخدام سلطته للإبقاء على تركيز هذه المنظمات على أهدافها الأساسية وتعزيز إصلاحات الحوكمة حيثما تقتضي الضرورة.
علاوة على ذلك، من خلال تدابير مثل آلية تعديل الرسوم الحدودية وضوابط تنظيم المنتجات الخالية من شـبهة إزالة الغابات، يضمن الاتحاد الأوروبي تلبية السلع التي يستوردها للمعايير البيئية والاجتماعية الدولية، والأوروبية "الأكثر صرامة في كثير من الأحيان". وفي التفاوض على الاتفاقيات التجارية، يعمل الاتحاد الأوروبي على التوفيق بين ثلاثة معايير: الاستدامة البيئية، والمصالح الاستراتيجية الأوروبية، والتوازن العادل بين الامتيازات.
وتتلخص الركيزة الأخيرة التي تستند إليها حنكة الإدارة الاقتصادية الأوروبية في استخدام أدوات "هجومية" لردع الأعمال الخبيثة من قبل دول ثالثة. ويشمل هذا بطبيعة الحال عقوبات اقتصادية ومالية، والتي جرى تطويرها سريعا وتطبيقها على نطاق واسع منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية الشاملة في شرق أوروبا. لكن السياسة التجارية في عموم الأمر يجب أن تتماشى أيضا مع أهداف السياسة الخارجية.
دأب الاتحاد الأوروبي على تطبيق ضوابط التصدير على السلع مزدوجة الاستخدام لبعض الوقت، وسيواصل تطبيقها، مع تنسيق جهوده على المستوى متعدد الأطراف. لكن الأمر يستلزم بذل قدر أكبر من الجهد. في خضم التوترات الصينية الأمريكية متزايدة الحدة، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يختار الانفصال التكنولوجي التام وتعزيز ضوابط التصدير. وتدعو فرنسا إلى إجراء حوار على مستوى الاتحاد الأوروبي حول التكنولوجيات التي لا يرغب في تصديرها.
يجب أن نكون واضحين: إن أوروبا لا تسعى إلى ترسيخ نفسها كقوة اقتصادية جغرافية في مواجهة أي دولة أخرى، بل نسعى إلى ضمان استمرار سيطرتنا على مسارنا السياسي والاقتصادي والبيئي والاجتماعي. حتى حين نعمل على التأقلم مع الحاجة إلى ممارسة قدر أعظم من القوة، فإننا لن نتنصل من الانفتاح الذي يشكل ضرورة أساسية لنجاح المشروع الأوروبي. نتيجة لهذا، سينمو نفوذنا الدولي، وسنتمكن في الوقت ذاته من ممارسة اللعبة المعقدة التي أصبحت عليها السياسة الجغرافية، وقيادة العالم في العمل المناخي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.