تصاعد وتيرة الاتفاقيات التجارية الإقليمية «3 من 3»
رغم أن الحكومات قد تلجأ إلى الاتفاقيات الإقليمية كبديل لقواعد منظمة التجارة العالمية أو لتحقيق مصالح استراتيجية، إلا أن هذا لا يؤدي بالضرورة إلى تعميق اتفاقيات التجارة الإقليمية. وأحد الأسباب هو أن قوانين اتفاقيات التجارة الإقليمية تستند إلى قوانين منظمة التجارة العالمية الأقل رسوخا. وهناك سبب آخر وهو أن القوى المناهضة للتكامل، مثل القطاعات المنافسة للواردات، ستكون متشككة في التكامل الإقليمي، تماما مثلما هي متشككة في التكامل متعدد الأطراف.
ولإعطاء صورة عن الإقليمية التمييزية، فإنه ربما يكون أكثر بواعث القلق هو الخطر المتمثل في أن أوقات الصراعات يمكن أن تفضي إلى اتفاقيات التجارة الإقليمية التي تقيم جدرانا أعلى ضد العالم الخارجي، بدلا من خفض الأسوار الداخلية.
وفي ثلاثينيات القرن الماضي، عندما انزلق الاقتصاد العالمي إلى الكساد وانهار 30 في المائة في بداية الفترة، وأكثر من 40 في المائة في نهايتها، تلقت الإقليمية التمييزية في ثلاثينيات القرن الماضي كثيرا من اللوم على تصعيد التوترات الدولية، لأنها جعلت التجارة أقل أمانا وأكثر تكلفة.
واليوم، قد يؤدي الاتجاه نحو تقوية الروابط مع الأصدقاء وتخفيفها مع غير الأصدقاء إلى إعادة تحفيز التمييز الإقليمي. وقد لاحظنا بالفعل حدوث طفرة في الإجراءات الحمائية، مثل شروط المحتوى المحلي في برامج الدعم، والقيود على الصادرات التي تستهدف دولا ليست من الشركاء التجاريين الإقليميين. وتعد القواعد الصارمة لتحديد منشأ منتج ما -بهدف زيادة قيمة محتوى القيمة الإقليمية في الإنتاج على حساب محتوى القيمة خارج الإقليم- مثالا آخر على هذا التمييز. وتتعارض هذه الممارسات مع روح قواعد التجارة متعددة الأطراف، وإن لم تتعارض مع نصوصها، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة تكاليف التكامل وأن تعوق الكفاءة.
ويمكن أيضا الاستفادة من الإقليمية التمييزية لتحقيق أهداف غير تجارية، مثل ضمان رفع مستوى معايير العمل والمعايير البيئية، أو اعتماد معايير محلية بدلا من المعايير العالمية، أو إعادة توجيه سلاسل التوريد لأسباب تتعلق بالأمن القومي. ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية تم توقيعها في نهاية آذار (مارس) بين اليابان والولايات المتحدة بشأن بعض المعادن الضرورية، والتي يمكن أن تكون الأولى في عدد من الصفقات الجديدة محدودة النطاق. هذه الاتفاقية مختلفة تماما عن اتفاقيات التجارة الإقليمية العميقة في العقود الثلاثة الماضية، وتطرح عديدا من الأسئلة المتعلقة بالاتساق مع القواعد الحالية متعددة الأطراف.
وبخصوص الحديث عن مستقبل محفوف بعدم اليقين، فإنه من المؤكد أن الإقليمية في أوقات الصراعات ستحتفظ ببعض خصائص الموجة السابقة. وستحافظ اتفاقيات التجارة الإقليمية على التكامل بين الأعضاء، كما ستواصل تجربة أشكال جديدة من التكامل. وينبغي أن تكون اتفاقيات التجارة العميقة التي تهدف إلى الحد من تشتت السوق محل ترحيب وتشجيع، ولا سيما في مناطق، مثل إفريقيا، التي يتوقع أن تحقق مكاسب تنموية هائلة من سوق قارية حقيقية.
لكن الإقليمية التي لا تركز على العمل التعددي قد تكون أكثر عرضة لقوى التفكك القوية. فاتفاقيات التجارة الإقليمية يمكن أن تضعف وأن تصبح أكثر تمييزا وأقل اهتماما بالتكامل، وأن تميل إلى إقامة جدران حمائية ضد غير الأعضاء. وفي نهاية المطاف، لا يوجد خيار بين الإقليمية والعمل التعددي، ولا يوجد سوى خيار بين التكامل والتفكك. ولا بد من إحياء العمل التعددي لاستكمال اتفاقيات التجارة الإقليمية في عصر الصراعات.