رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المصارف في عين الرقابة الصارمة

"العمل على إصلاحات قطاع المصارف لا يزال غير مكتمل"
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية
في أوج الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008، نشرت صحيفة أمريكية رسما كاريكاتيريا، أظهرت فيه امرأة عجوزا تتلقى جائزة نوبل في الاقتصاد، لأنها أبقت الأموال التي بحوزتها في البيت ولم تضعها في أي مصرف. بالطبع، كان الفنان الذي وضع هذا الرسم، يشير إلى أن الأموال في البنوك ليست آمنة، بدليل أن نسبة كبيرة منها تبخر منذ اليوم الأول لانهيار بنك ليمان براذرز، الذي كان الشرارة التي جرت مئات البنوك حول العالم إلى أزمة، قال عنها آلان جرينسبان رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق آنذاك، إنها لا تحدث إلا كل 100 عام. وكما يتذكر الجميع، هذه الأزمة بدأت مالية مصرفية، لتتحول إلى أزمة اقتصادية شاملة نالت من كل شيء، ووضعت العالم بالفعل على حافة الهاوية.
قبل أربعة أشهر تقريبا، أثار انهيار بنك كريدي سويس السويسري، و"سيليكون فالي" الأمريكي، ومصرفين آخرين أقل حجما في الولايات المتحدة، أثار هلعا في قطاع المصارف والأسواق المالية. السلطات المختصة في البلدين أسرعت لاحتواء الأزمة، خوفا من أن تتحول إلى شكل من أشكال أزمة 2008. حتى إن جو بايدن الرئيس الأمريكي، أمر مباشرة بضمان أموال المودعين على حساب أموال المستثمرين في هذه البنوك المتعثرة. وانطلق في ذلك من مبدأ أن المودع لا ذنب له، بينما المستثمر قبل المجازفة، فعليه أن يقبل النتائج. لا شك أن النجاح في احتواء أزمة الشهر الثالث من العام الجاري، نشرت الارتياح في الأوساط المالية والحكومية عموما. لكن الأسئلة بقيت على حالها، ولا سيما تلك التي تتعلق بالمخاطر، والإجراءات التي تتخذها الجهات التنظيمية فيما يرتبط بالمراقبة.
لا شك أن الإصلاحات القسرية التي أعقبت أزمة 2008، أسهمت في حماية النظام المصرفي الأمريكي والعالمي عموما. إلا أنه لا تزال هناك مخاوف من وقوع أزمات مشابهة في المستقبل، على الساحتين الأمريكية والأوروبية. فحتى وكالات التصنيف العالمية المعروفة، فشلت قبل الأزمة الاقتصادية الكبرى في تقديم تقييمات واقعية عن أوضاع البنوك هنا وهناك، ما وضعها هي ذاتها تحت سيل من الأسئلة، ليس على أخطائها، بل على جدوى ما تقوم به أصلا. غير أن الإصلاحات التي تعود إلى 15 عاما، لم تعد كافية بدليل أزمة التعثر الأخيرة التي ضربت بنوكا سويسرية وأمريكية. فكما هو معروف أن معظم المصارف منكشفة على بعضها بعضا عبر القارات، وليس فقط ضمن البلد الواحد. وهذا ما يزيد مخاطر أي أزمة يقع فيها مصرف منكشف، بصرف النظر عن موقعه الجغرافي.
يرى الأوروبيون أنهم وجدوا حلا ناجعا لتوفير أكبر قدر ممكن من الضمانات المتعلقة بالبنوك المنتشرة في منطقة اليورو. فكريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، تمكنت أخيرا من الحصول على تشريع لمراقبة السيولة في بنوك المنطقة بصورة متكررة. فبدلا من قيام هذه المصارف بتقديم كشوفاتها شهريا لـ "المركزي"، ستقدمها أسبوعيا. وهذه النقطة مهمة للغاية، وتمنح النظام المصرفي الأوروبي مزيدا من الثقة، بل تمكنه من معالجة أي تعثر محتمل قد يضرب هذا البنك أو ذاك. هذه البيانات الأسبوعية تشمل تفاصيل مثل الاستحقاقات النقدية في حسابات المصارف وأطرافها المقابلة، وعمليات إعادة تمويل المعاملات مع البنك المركزي. وبحسب أندريا إنريا رئيس مجلس الإشراف الاحترازي، فإن من شأن ذلك السماح بالتحكم على نحو أفضل في حركة الأصول الأكثر سيولة، مثل الودائع المصرفية.
الخطوة الأوروبية هذا، توفر بالفعل ضمانات من وقوع أي مصرف في أزمة ستطول حتما مصارف أخرى سواء في منطقة اليورو أو خارجها. وهذا يعني أن الإصلاحات التي طبقها العالم على النظام المصرفي الدولي في أعقاب أزمة 2008، لم تعد تتماشى مع التطورات الراهنة في هذا الميدان الحساس. لا أحد يستطيع أن يضمن عدم تعثر البنوك تماما، لكن الإجراءات الأوروبية الأخيرة ستعطي مزيدا من القوة للسوق المصرفية لتحمل أي صدمات محتملة. ويتفق المشرعون الأمريكيون مع هذا التوجه، وبدأوا بالفعل سلسلة من الإصلاحات تتطلب وقتا لتكون حاضرة في الساحة. فهناك ثغرات موجود بالفعل، وتعترف بها الجهات المشرعة، لذلك لا بد من إصلاح هذه الثغرات بأقرب وقت ممكن، عبر ماذا؟ من خلال مراجعة الأنظمة الرقابية والتنظيمية الحالية.
أظهرت التجارب السابقة، أن هذه الأنظمة ليست مناسبة للمخاطر التي تواجهها المصارف في الوقت الراهن. وإذا ما عدنا إلى الأزمة الكبرى في 2008، نجد أن الإجراءات والأنظمة التي كان معمول بها قبل ذلك العام، كانت دون مستوى المخاطر التي أطلقت الأزمة العالمية الشاملة. ولعل من أهم العوامل التي أدت إلى أزمة مصارف سويسرية وأمريكية في آذار (مارس) الماضي، أن بعض القيود التي وضعت تم إلغاؤها، أو التهاون في تطبيقها. وهذا ما يدخل مصير أي مصرف في المجهول، ويضع أموال المودعين والمستثمرين في مهب الريح. دون أن ننسى أن "مغريات" الإقراض تبقى ماثلة على الساحة، ولا سيما تلك التي لا تفتقر إلى الغطاء اللازم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي