تصاعد وتيرة الاتفاقيات التجارية الإقليمية «2 من 3»
منذ تسعينيات القرن الماضي، تغيرت الاتفاقيات للتأكيد على تعميق تكامل الاقتصادات وتعاونها، ووفق "دراسة Mattoo، Rocha، and Ruta 2020"، اليوم نتناول أيضا القواعد التنظيمية وما يسمى الإجراءات غير الجمركية، التي كانت في السابق تدخل في نطاق اختصاص صناع السياسات المحليين. ورغم اختلاف الاتفاقيات، فإنها تنظم بشكل عام ثلاثة مجالات متداخلة من مجالات السياسة:
* تكامل أسواق السلع والخدمات وعوامل الإنتاج والقواعد المنظمة لمجالات، مثل: التعريفات الجمركية، والخدمات والاستثمار، وحقوق الملكية الفكرية.
* القيود التي تحد من قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات من شأنها تحويل مسار التكامل الاقتصادي، بما في ذلك الحواجز التنظيمية، والتدابير الصحية، والدعم، والقواعد المنظمة للمنافسة.
* حماية الحقوق التي يمكن أن تتراجع بسبب تكامل الأسواق إذا لم يتم تدعيم القواعد المنظمة لمجالات مثل معايير العمل أو المعايير البيئية.
وبشأن تعميق التكامل، فقد وفرت اتفاقيات التجارة الإقليمية التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية الإطار المؤسسي لتكامل الأسواق. وساعدت على خفض تكاليف التجارة وتسريع فرص النمو، ولا سيما في الاقتصادات النامية "دراسة Fernandes، Rocha، and Ruta 2021". وخلصت إحدى الدراسات إلى أن اتفاقيات التجارة الإقليمية العميقة أدت إلى زيادة معدلات التجارة بين الأعضاء بنسبة 40 في المائة في المتوسط.
رغم المخاوف من أن تشكل هذه الاتفاقيات عائقا أمام التكامل مع غير الأعضاء، تشير الأدلة إلى عكس ذلك تماما. فعديد من الأحكام الواردة في اتفاقيات التجارة الإقليمية الأخيرة غير تمييزية وخفضت التكاليف على الأعضاء وغير الأعضاء على السواء. وتبين أن القواعد التي تزيد من المنافسة، أو تنظم الدعم المحلي، أو تدعم اعتماد المعايير التنظيمية الدولية في أسواق الأعضاء تعزز صادرات غير الأعضاء.
وتتأثر النتائج غير التجارية أيضا. فالأحكام المتعلقة بالاستثمارات، وقضايا التأشيرات واللجوء، وحماية حقوق الملكية الفكرية ثبت أنها تخفض تكلفة الأنشطة عبر الحدود وتحد من أجواء عدم اليقين القانوني، ما يحفز بدوره تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر والهجرة والتكنولوجيا. وخلصت إحدى الدراسات حول فاعلية الأحكام البيئية في اتفاقيات التجارة الإقليمية إلى أنها منعت إزالة غابات تبلغ مساحتها نحو 7500 كيلو متر مربع خلال الفترة 2003 ـ 2014.
لكن اتفاقيات التجارة الإقليمية كانت لها عواقب غير مقصودة أيضا. فقد خلصت إحدى الدراسات حول معايير عمل الأطفال إلى أن الاتفاقيات التي لا تتضمن أحكاما بشأن عمل الأطفال يمكن أن تحد من عمالة الأطفال وتزيد من معدلات الالتحاق بالمدارس. ومن المفارقات أن اتفاقيات التجارة الإقليمية التي تحظر عمل الأطفال يمكن أن يكون لها تأثير معاكس: فهي تؤدي إلى انخفاض أجور الأطفال وفي بعض الأحيان إلى قيام الأسر الفقيرة بإرسال مزيد من أطفالها إلى سوق العمل لتعويض الدخل الضائع.
وبشأن الحديث أيضا عن أوجه التكامل غير المنظورة، فإنه من المؤكد أن صعوبة إحراز تقدم في مفاوضات منظمة التجارة العالمية هي أحد الأسباب التي جعلت اتفاقيات التجارة الإقليمية تهيمن على جدول أعمال التجارة في العقود الأخيرة. لكن هناك تفسيرا لنجاحها لم يحظ بالتقدير الكافي، وهو أن التكامل الإقليمي ومتعدد الأطراف يكمل كل منهما الآخر بعدة سبل.
أولا، إن شرائح المجتمع نفسها التي تفضل التكامل متعدد الأطراف -مثل الشركات المصدرة- تدعم أيضا التكامل الإقليمي. ثانيا، إن قوانين منظمة التجارة العالمية وآليات تسوية المنازعات هي أساس قانون اتفاقيات التجارة الإقليمية. وعديد من هذه الاتفاقيات يعيد تأكيد الالتزامات الحالية للدول تجاه منظمة التجارة العالمية، وتعتمد على نظام تسوية المنازعات الخاص بتلك المنظمة لأغراض الإنفاذ. وتستخدم اتفاقيات التجارة الإقليمية الأخرى الالتزامات متعددة الأطراف كأساس لتعزيز التكامل الإقليمي. ثالثا، نظرا إلى أن عديدا من التزامات اتفاقيات التجارة الإقليمية غير تمييزية، فإنها تشجع التكامل الإقليمي ومتعدد الأطراف. ويشير هذا المستوى من التكامل إلى أن الإقليمية قد تكون أضعف في أوقات الصراعات... يتبع.