تعثرات العقارات والانكشافات المصرفية

يواجه قطاع العقارات في الصين أزمة حقيقية، واستفحلت هذه القضية خلال العامين الماضيين، ولا سيما بعد أن شدد المشرعون في بكين قوانين منح القروض السكنية، وتمويل الشركات العقارية بكل أحجامها. هذا الركود العقاري في هذه الدولة التي تحتل المركز الثاني في قائمة أكبر الاقتصادات على مستوى العالم، طرح سلسلة لا تنتهي من الأسئلة حول مستقبل هذا القطاع الواسع، وكيفية التعاطي مع الصعوبات التي يواجهها. وأزمات كبيرة لهذه العقارات تعني أيضا مشكلات مالية كبيرة ليس على مستوى الصين فقط، بل على المستوى العالمي. فنسبة لا بأس بها من البنوك الأجنبية منكشفة على الشركات العقارية الكبرى سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقبل عام تقريبا، عندما تفاقمت الأزمة، باتت المخاوف منتشرة على الساحة العالمية حقا.
هذا الوضع، أدى إلى توقف مشاريع ضخمة، وحول عقارات فاخرة إلى ساحات ترعى فيها الأبقار، كما تحولت مدن قيد الإنشاء إلى ميادين أشباح، وفق وصف المراقبين المهتمين بهذا الجانب الحساس من النشاط الاقتصادي والمالي الصيني. وفي أواخر العام الماضي، أكدت مجموعة "ستي جروب" المصرفية أن أزمة الديون العقارية في الصين تتعمق أكثر، بل وتهدد القطاعات المالية في البلاد. فحتى شركات العقارات المدعومة من الحكومة معرضة لخطر ارتفاع حالات التخلف عن السداد. وهذه نقطة مهمة جدا، وتعد مؤشرا على مستوى جودة الأداء العقاري، وبحسب المجموعة نفسها، فإن الديون الرديئة في القطاع العقاري، ارتفعت في أيلول (سبتمبر) الماضي بنسبة 29 في المائة من إجمالي القروض خلال النصف الأول من العام الماضي.
ويبقى الخوف من التداعيات التي يمكن أن تحدث في الصناعة المصرفية عموما التي تبلغ قيمتها 52 تريليون دولار. ومن المشكلات الكبرى، هي تلك المتعلقة بالمنازل الفاخرة التي يجري بناؤها وتوقفت بالفعل. فهذا النوع من العقارات بات يشكل تهديدا حقيقيا في القطاع ككل، خصوصا أنها لم تبن للناس العاديين، بينما بات الأثرياء يثيرون الشكوك حول جدوى امتلاكها في سوق عقارية مضطربة. ومن الأسباب الرئيسة لهذا الوضع، أنه ابتداء من 2020، أقدمت الحكومة على كبح النشاط من خلال فرض قيود على منح متعهدي البناء تمويلات لازمة لهم. جاء ذلك بعد أن تراجع الطلب إلى مستويات منخفضة، ما تسبب في تراكم ديون هائلة على هؤلاء المتعهدين. في ظل هذه التطورات تم التخلي عن 4 في المائة من المشاريع الجارية لبناء المساكن بكل أنواعها، أو بمساحة إجمالية تبلغ 231 مليون متر مربع.
كل هذا عمق الركود العقاري في الصين، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لاحتواء أي أزمة يمكن أن تتسع دائرتها في المستقبل القريب. فعلى سبيل المثال، منيت شركة العقارات العملاقة "إيفرجراند" بخسائر صافية تزيد على 113 مليار دولار في 2021 و2022، مع نحو 340 مليار دولار من الديون المستحقة عليها. وهذا يمثل مخاطر جمة ليس على الشركة المذكورة فحسب، بل على القطاع العقاري برمته. وتحاول هذه الشركة القيام بإعادة هيكلة بتشجيع من السلطات المختصة، لكن ذلك لن يكون سهلا، خصوصا أنها تطرح مبادلة الدائنين لديونهم بسندات فيها.
خلاصة الأمر، لا شك أن الأزمة العقارية في الصين تتسع، وأن العلاج المطلوب ينبغي أن يكون سريعا. فقد توقف الزبائن عن دفع أقساط قروضهم في أعقاب توقف مشاريع البناء، وتحول بعض المشاريع إلى مدن أشباح حقا. كما أن الحكومة ستدفع أيضا كل ما تستطيع من أجل إعادة الثقة إلى قطاع كبير ومهم، وحماية مستحقات الأفراد الذين دفعوا أموالا من أجل التملك العقاري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي