عام 2075 .. نظرة استشرافية «2»
عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن الدراسات المستقبلية، أو استشراف المستقبل، خليط من الماضي وخبراته المتراكمة والمعلومات المتاحة والمستخلصة منه للموضوع أو الظاهرة محل الدراسة، والحاضر بمعطياته، وأن استشراف المستقبل يعد إحدى أهم أدوات التقدم والتطور والتحوط في جميع النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والصحية وغيرها. عرجت في المقال السابق على تقرير بنك جولدمان ساكس الاستشرافي لاقتصادات العالم بحلول 2075، الذي توقعت فيه أن كلا من الصين والهند بالتوالي ستتربعان على عرش صدارة أكبر اقتصادات العالم، حيث يتجاوز اقتصادهما اقتصاد الولايات المتحدة التي ستحتل المرتبة الثالثة بحلول العام ذاته، وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي.
توقفت عند تقرير "جولدمان ساكس" الاستشرافي، على موضوع يستحق الاهتمام، لكون قائمة أكبر 20 اقتصادا في العالم من حيث إجمالي المحلي ستخلو من دول أوروبا وروسيا! أود التوضيح أن تقرير "جولدمان ساكس" الاستشرافي لعام 2075، يعد في المستقبل غير المنظور الذي يتجاوز 50 عاما، بحسب تصنيف "مينيسوتا"، وهذا رأي يضع كثيرا من التساؤلات المشروعة عن دقة مدخلات هذه الدراسات، وجودة المعايير التي بنيت عليها؟ إضافة إلى أن مدة 52 عاما هي مدة كبيرة قد يتخللها كثير من المعطيات والمفاجآت والأحداث غير المتوقعة التي قد تحيد بمخرجات دراسات كهذه بصورة كبيرة أو بصورة جذرية.
بعيدا عن دقة هذه الدراسة، لو افترضنا جدلا أنها واقعية وتحقق ذلك، فما انعكاس ذلك على منظومة الطاقة العالمية وميزان العرض والطلب؟ حاليا تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى من حيث استهلاك النفط، حيث تستهلك نحو 19.7 مليون برميل يوميا، تلتها الصين بنحو 11.8 مليون يوما، وتحل الهند ثالثة، التي تستهلك 4.5 مليون برميل في اليوم، وتلتها اليابان بنحو أربعة ملايين برميل يوميا.
الجدير بالذكر أن الدول الأربع التي سبق ذكرها وهي كل من: أمريكا، الصين، الهند، وروسيا تستهلك في الوقت الحالي مجتمعة نحو 40 مليون برميل يوميا، ما يشكل نحو 40 في المائة من الاستهلاك العالمي للنفط الذي يقدر بنحو 98 مليون برميل يوميا. بحسب الوكالة الدولية للطاقة، سيرتفع الطلب العالمي على النفط حتى 2028 بنحو 6 في المائة فقط ليصل الطلب العالمي على النفط إلى نحو 105.7 مليون برميل يوميا. تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن نمو الطلب العالمي السنوي على النفط سينخفض من 2.4 مليون برميل يوميا إلى نحو 0.4 مليون برميل يوميا حتى 2028، التي يصل الطلب العالمي على النفط عندها إلى ذروته.
لي عودة -بإذن الله- للتعقيب على أرقام الوكالة الدولية للطاقة، وتوقعها الوصول إلى ذروة الطلب العالمي على النفط في 2028 في مقال مستقل، حيث إنها تعول كثيرا في تقريرها على إحلال السيارات الكهربائية مكان السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي، وكذلك تعول على زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء عوضا عن الوقود الأحفوري.
بعض الأسئلة المهمة -في رأيي-، وهي محور المقال المقبل من هذه السلسلة، بإذن الله، كم من المتوقع أن يصل الاستهلاك العالمي للطاقة في 2075؟ وكم ستكون حصة النفط بين مصادر الطاقة الأخرى؟ وهل وتيرة الاستثمار في صناعة النفط الحالية كافية لسد الفجوة بين العرض والطلب في ذلك العام؟