العمارة المناخية
مع موجة الحر التي تجتاح العالم، التي تزامنت مع إجازة الصيف قد تفضل البقاء تحت هواء المكيف البارد في منزلك بدل عناء السفر إلى دول لم تتعرف على الحر إلا قريبا، لذا تفتقر مبانيها للمكيفات.
ويخطر في بالنا سؤال: كيف عاش أسلافنا وواجهوا حر الصحاري وبرد الشتاء دون مكيفات تغير درجة حرارتها كيفما شئنا؟
ليأتيك الجواب من منازلهم، فقد بنوها بحسب العوامل المناخية من درجات حرارة ورطوبة وحركة الشمس وكميات الأمطار المتساقطة وسرعة الرياح، وهذه العوامل ثابتة في كل منطقة، وتعد عامل إيحاء، حيث تساعد المعماري على ابتكار المعالجات المعمارية اللازمة، التي تسهم في توجيه حركة الهواء أو الحماية من أشعة الشمس أو استعمال المواد الأولية المقاومة للعوامل المناخية، وفي الأغلب تكون المعالجات مستمدة من البيئة المحلية، مثل اتخاذ الأقبية والمشربيات أو توجيه المداخل أو الطرق والممرات.
وستجد نماذج للعمران المناخي في القرى والمدن القديمة من حولك، ومن الجميل أن يتجه مجموعة من المهندسين إلى هذا النوع من البناء المستدام الذي يحقق جزءا من رؤية 2030.
ولعل من أعظم الأمثلة على العمران المناخي مدينة "يزد" الإيرانية القريبة من طريق الحرير، إذ تعد من بين أعلى المدن حرارة في العالم، وتتسم بأن صيفها حار والأمطار نادرة جدا فيها، حيث تحيط بها الصحاري من كل جانب، وقد وجد سكانها طريقة للتكيف مع هذا الطقس بوسائل اخترعوها قبل أكثر من 2500 عام عندما كانت الإمبراطورية الفارسية في ذروة تألقها.
وتتميز مدينة يزد التي يقطنها نحو 530 ألف نسمة بوجود 700 بادجير وهي كلمة فارسية تعني "البراجل" وهي أبراج رياح تعتلي أسطح المباني التاريخية المبنية من الطين والتراب الخام العازلين للحرارة، وتتكون من فتحات عمودية وأنابيب متعددة داخلها وتعد إحدى عجائب الهندسة المعمارية التي تعمل على تبريد المساكن والسلف الأول للمكيفات الحالية قبل اكتشاف الكهرباء ويتيح هذا النظام لأي نسمة هواء باردة الدخول للمسكن وطرد الهواء الدافئ إلى الخارج تحت الضغط.
كما غطيت أجزاء بعض ممرات المدينة الضيقة لتقي المارة حرارة الشمس، فضلا عن القنوات المائية التي تمتد تحت الأرض، تنقل المياه من الجبال إلى الأماكن السكنية، التي أقيمت قبل أكثر من 2000 عام لتبريد المساكن والحفاظ على الطعام في درجة حرارة مثالية.
عدت "اليونيسكو" هذه المدينة شهادة حية على الاستخدام الذكي للموارد المحدودة المتاحة والضرورية للتمكن من العيش في الصحراء.