جوجل والبحث الأبدي عن الحقيقة

جوجل والبحث الأبدي عن الحقيقة

ما لون السماء؟ المحيط؟ قد تعتقد أن الجواب واضح: أزرق.
لكن ربما ليسا أزرقين. كان لون بحار هوميروس (شاعر يوناني) "خمريا غامقا"، ولم يشر الشاعر إلى اللون الأزرق مطلقا. لم يكن وحده في ذلك، معظم النصوص القديمة لا تستخدم هذه الكلمة. السبب الدقيق وراء هذا قد يكون محل بعض الجدل، لكن أحد التفسيرات هو أنه في المجتمعات القديمة، كان اللون الأزرق لونا غير عادي. جاءت الصبغات الزرقاء في وقت لاحق، والزهور الزرقاء نتيجة استيلاد انتقائي، ونادرا ما تكون الحيوانات الزرقاء شائعة. تتبقى السماء والبحار، وربما من الأفضل وصفهما بأنهما أبيضان، أو رماديان، أو خمريان غامقان. لذلك ربما لم يقل الناس "أزرق" حينها، لأن اللون كان نادرا جدا بحيث لا يحتاج إلى تسمية.
في هذه الأيام، يمكننا أن نفعل ما لم يتمكن هوميروس من فعله، يمكننا أن نسأل محرك بحث جوجل عن لون السماء. هل يحل هذا المشكلة؟ ليس بالضرورة.
تشرح عالمة الاجتماع فرانشيسكا تريبودي بأنه إذا كتبت "لماذا السماء زرقاء؟" في مربع البحث، ستحصل على تفسيرات علمية كثيرة. (على ما يبدو نظرية تبعثر الضوء لرايلي). لكن اسأل المحرك، "لماذا السماء بيضاء؟" وسيتم إخبارك - كما قيل لي - أن هذا بسبب تبعثر الضوء من خلال جزيئات كبيرة في الغلاف الجوي. واسأل، "لماذا السماء حمراء؟" وسيتم إخبارك، إنها نظرية تبعثر رايلي مرة أخرى. "لماذا السماء خضراء؟" ربما لأن هناك إعصارا مقبلا.
لون السماء ليس ما يثير اهتمام تريبودي. بالأحرى هي منبهرة بحقيقة أنه عندما تلجأ إلى الإنترنت للحصول على إجابات، يعتمد جزء كبير من العملية على سؤالك. عندما تقابل شخصا يقول، "لقد أجريت بحثي الخاص"، ينبغي أن يكون ذلك بيانا للإيحاء بالثقة بأن هناك شخصا مجتهدا وفضوليا ومحبا للمعرفة. لكن الأمر ليس كذلك، لأن الأشخاص الذين يجرون أبحاثهم الخاصة عادة ما يستنتجون أن لون السماء نابع من "الكميتريل" (سحب تطلقها الطائرات يعتقد بعض الناس أنها مكونة من مواد كيميائية أو بيولوجية كجزء من مؤامرة).
ربما هذا غير عادل. قبل بضعة أعوام، راقبت تريبودي الناخبين الجمهوريين في فرجينيا عن قرب وتحدثت معهم، ووجدت أنهم - على عكس ما قد يفترضه الليبراليون الحضريون - كانوا مواطنين متعمقي التفكير قضوا وقتا طويلا وبذلوا جهدا لتقييم الأخبار بعين ناقدة. مثل نائب الرئيس السابق مايك بنس، كان هؤلاء الأشخاص مسيحيين ومحافظين وجمهوريين بهذا الترتيب، وطبقوا ممارساتهم المعتادة المتمثلة في قراءة كتابهم بتعمق إلى قراءة الدستور ومشاريع قوانين الكونجرس من كثب. إنهم "يحللون" المعنى ويتحققون منه بالبحث المستقل. لقد كانوا بعيدين جدا عن الشخصيات الكاريكاتورية الساذجة.
لسوء الحظ، كما أوضحت تريبودي في كتابها الصادر 2022 "دليل المروجين"، فإن التحقق بعناية من الحقائق والحجج باستخدام محرك بحث جوجل لا يضمن الحكمة، أو الموضوعية، أو حتى الانكشاف على الحجج المخالفة. لنأخذ مثالا بسيطا ومعتدلا إلى حد ما، عندما بدأ لاعبو اتحاد كرة القدم الأمريكي في الجلوس على ركبهم أثناء النشيد الوطني، ادعى دونالد ترمب أن تصنيفات اتحاد كرة القدم الأمريكي كانت منخفضة. ابحث على محرك جوجل "انخفاض تصنيفات اتحاد كرة القدم الأمريكي" وسترى تأكيدا من مواقع الويب المؤيدة لترمب أنه كان على حق. وابحث على محرك جوجل عن "ارتفاع تقييمات اتحاد كرة القدم الأمريكي" وسترى قائمة من العناوين الرئيسة من مواقع الويب الليبرالية التي تدعي العكس.
لتجنب هذه المشكلة، ينبغي للمواطن الباحث عن الحقيقة أن يبحث بشكل منهجي عن وجهات نظر معارضة. لكن قلة من الناس، من أي جزء من المشهد السياسي، تميل إلى فعل هذا. وذلك ليس بسبب الحزبية الفجة، بل بسبب خلل أكثر دقة في أجزاء منطقنا.
في 1960، نشر عالم النفس بيتر واسون دراسة مذهلة عن هذا الميل. عرض على الأشخاص المشاركين في الدراسة سلسلة من ثلاثة أرقام اثنين - أربعة - ستة - وطلب منهم تخمين القاعدة التي يتبعها التسلسل، ثم اختبار ذلك التخمين عن طريق التوصل إلى تسلسلات أخرى من ثلاثة أرقام. بعد كل تخمين، سيتم إعلام المشاركين بما إذا كانت التسلسلات الجديدة تتناسب مع القاعدة أم لا.
وجد واسون أن الناس استمروا في اختبار تخميناتهم عبر إنتاج تسلسلات تطابق التخمين. نادرا ما قدموا أمثلة مضادة قد تظهر أن تخمينهم كان خاطئا. مثلا، لنفترض أن تخمينك كان "سلسلة من أرقام زوجية متتالية"، ينبغي أن تكون الخطوة التالية هي محاولة إثبات أنك مخطئ، باستخدام أمثلة معاكسة مثل "2، 8، 10" أو "3، 5، 7". لكن قد ينتج الناس أمثلة تتناسب مع فرضيتهم الحالية، مثل "6، 8، 10".
في دراسة واسون، كانت القاعدة الفعلية واسعة، أي ثلاثة أرقام بترتيب تصاعدي. للعثور على هذه القاعدة، يجب أن تبدأ في تعداد التسلسلات التي قد تتعارض معها. وصف واسون هذا السلوك "بالانحياز التأكيدي"، وهي عبارة تمثل الآن مجموعة واسعة من الطرق التي نلاحظ بها الأدلة التي تبرر معتقداتنا ونتذكرها. يسهم هذا النمط الأوسع في القبلية السياسية، ومعظمنا مذنب بها بشكل ما. مع ذلك، الأصل الأضيق وثيق الصلة بسلوك البحث الذي لاحظته تريبودي، محاولة التحقق من حقيقة عبر البحث عن الحقيقة وليس البحث عن شيء قد يتعارض معها.
هناك عقبة خفية أخرى أمام البحث عن الحقيقة على محرك بحث جوجل، إذا تمكنت من حث الناس على البحث باستخدام مصطلحات غير عادية، فمن المحتمل أن يتوصلوا إلى نتائج غير عادية. يزود المروجون الأذكياء المحادثة بعبارات محددة بشكل غريب - مثلا، "ممثل أزمات" - وسيكشف البحث الذي يتضمن مثل هذه العبارات عن جحر تفكير المؤامرة. لتوضيح غير ضار، حاول البحث عن "لماذا لون السماء خمري غامق؟" النتائج رائعة، ولم يتم ذكر نظرية تبعثر الضوء لرايلي.
تجادل تريبودي بأن المؤثرين اليمينيين أكثر ذكاء في استخدام هذه التكتيكات، لكن المشكلة لا تقتصر على جزء واحد من المحادثة السياسية. إذا أردنا اكتشاف ما هو صحيح، فنحن بحاجة إلى أن نعتاد على افتراض أننا قد نكون مخطئين - والبحث عن دليل على افتراضاتنا الخاطئة. أود أن أتباهى بأن هذه طريقة تفكيري دائما، لكنها ليست كذلك. أعتقد أنني لست وحدي.

الأكثر قراءة