عندما يمنعك الهيكل من الصعود
إحدى أهم الملاحظات التي يضعها الموظفون حول الهيكل التنظيمي ما يرتبط بفرص النمو المحدودة، والمقصود تحديدا دور الهيكل التنظيمي في تقليل فرص الحصول على الترقية الوظيفية. بالطبع هناك عدد كبير من الملاحظات الأخرى التي تهم الموظفين ويطرحونها نقدا أو اتهاما للدور السلبي التي تلعبه الهياكل التنظيمية أحيانا، مثل تحديات التواصل والبيروقراطية ودعم الشللية والانعزالية وتقليل الاهتمام وغير ذلك. ولرأي الموظف في كل الأحوال وجه من الصحة، فالمشكلة إن وجدت تستوجب المعالجة من المسؤول، وسوء الفهم لو وجد يستوجب المعالجة من المسؤول كذلك.
يعد موضوع "قلة فرص التطور" داخل المنظمة أحد أهم أسباب ترك الموظفين وظائفهم كما تشير لذلك أبحاث المنظمة الشهيرة SHRM. ومن المعروف أيضا أن وجود الفرص الوظيفية من أهم أسباب الرضا الوظيفي. ولهذا من الطبيعي أن نجد أن الشعور بالمحدودية في احتمالات تطور وتصعيد الموظف إلى المستويات الأعلى مصدر قلق للموظف. يهم الموظف أن يشعر بأنه يمضي قدما للأمام وهو متجه إلى الأعلى، فهذا خط التطور الطبيعي وأساس مهم تحقيقه لأهدافه، مسار مهني متصاعد يحقق له أهدافه الشخصية والمالية. الموظف المتمكن لن يبقى في منظمة يشعر فيها بأنه يعيد نفسه، وأن مسارات التطور محدودة، وأن الركود سمة المكان.
ولكن كيف تنشأ نظرة الموظف بشكل تجعله يعتقد أن الهيكل يساند هذا الضيق المهني ويعزز المحدودية التطويرية لمساره الوظيفي؟ المفهوم الأول الشهير، لا يوجد مكان في الهيكل قادر على استيعاب النسخة المتطورة من الموظف. أي إن الهيكل غير مصمم لاستيعاب فلان من الناس بعد أم نمت مهاراته وزادت خبراته في مجاله. والأغلب لأن مديره موجود على رأس العمل. وهذا الفهم ليس دقيقا في كل الأحوال رغم أن بعض موظفي الموارد البشرية مستعد للرد بهذه الطريقة، "نعتذر لن تتم ترقيتك هذا العام، لا يوجد صندوق / وظيفة تستطيع استيعابك!".
واقعيا، قد يرتبط الهيكل التنظيمي بفرص التطوير الوظيفي، لكن في الحقيقة لا يعد الهيكل التنظيمي هو المشكلة الوحيدة أو الحل الأوحد لهذا الموضوع. تحدي التطوير الوظيفي مسألة مختلفة عن تحدي الهيكل التنظيمي. الموظف قد لا يراها كذلك، لكن رؤية الموظف تقوم بشكل كبير على تعبير المنظمة، وأسلوب المنظمة في التواصل، وما يجد الموظف من وقائع تؤيد انطباعاته.
تقوم الشركات الحديثة اليوم بكثير من العمل لمعالجة مشكلة التطوير الوظيفي. قدمت "أمازون" على سبيل المثال برنامج Bar-Raiser الذي يحرص على توظيف أفضل المهارات في الشركة، الذي يضع هؤلاء المتفوقين تحت المجهر ويقدم لهم كثيرا من التطوير ليتنقلوا عرضيا وطوليا حسب المسارات الابتكارية في الشركة. وهناك من يصمم برامج خاصة للتنقل الوظيفي الداخلي، ما يقطع علاقة الهيكل بفرص التطور، مثل شركة ديلويت التي قدمت برنامج Career Lattice. وهناك كذلك أمثلة محلية لشركات عرف عنها استخدام التدوير الداخلي للموظفين وطرحه إيجابيا يخدم المنظمة والموظفين ويحقق تطلعاتهم، الشركات البتروكيماوية وبعض شركات المنتجات الغذائية وشركات الـFMCG ممن عرف عنهم هذا الأمر.
تواجه المنظمات تحديات مختلفة مثل غياب الشفافية ومحدودية المصادر ومقاومة التغيير وضعف المحاسبة وبالطبع الضعف الإداري والقيادي، تتسبب هذه الأمور في إهمال وإضعاف أدوات التطوير الوظيفي داخل المنظمة. لكن تختزل هذه التحديات الإدارية أحيانا في مسألة الهيكل التنظيمي، قد يكون الوضع العام للهيكل التنظيمي ومستوى نضجه نتيجة لهذه التحديات. الأكيد في الأمر هو أن تحديات التطوير الوظيفي وإمكانية الموظف الصعود لدرجات أعلى من العطاء والأخذ قائم على كل هذه الأمور، وليست مجرد مسألة تصميم للهيكل التنظيمي. وهذا ما يغيب عن كثيرين ممن يختزلون تحدياتهم في الهياكل التنظيمية.