هل نتخطى مشاعر العجز لساحة الحيوية والإنجاز؟
لكل فرد في هذه الحياة أهداف وطموحات، منها ما يمكن تحقيقه، ومنها ما يستحيل، إما لظروف خارجة عن إرادة الفرد تعود إلى البيئة المحيطة، كالأسرة، أو المجتمع العام بثقافته، أو محدودية الإمكانات المادية والمعرفية التي تساعد على تحقيق الأهداف والطموحات، ومنها ما يعود إلى أسباب تخص الفرد، إما لنقص الإمكانات الجسمية، وإما لضعف القدرات العقلية، أو المعرفية، وأحيانا عدم استبصار الفرد ذاته وإدراك القدرات التي لديه واكتشافها واستثمارها بشكل أمثل، لذا يعيش محروما من تحقيق الأهداف، ويعيش حالة الشعور بالعجز القاتل الذي يحيط به من جميع الجهات، حتى إن مشاعر العجز تتعمق في ذاته، لتوجد حالة الإحباط التام، واليقين بصعوبة الخروج من حالة الإفلاس التي يعيشها.
الطفل في حالة عجزه عن تحقيق ما يريد يلجأ إلى البكاء، ظنا منه أن هذا السلوك يحقق الهدف، وأحيانا يلجأ إلى إيذاء نفسه، أو تكسير ألعابه، أو أي شيء من أثاث المنزل، كما قد يتمادى إلى ضرب طفل آخر، أو عض أمه، وأبيه، وقد ينجح في ذلك نتيجة تعاطف، أو خوف إذا كان الطرف الآخر لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولا مفر له إلا بتحقيق الرغبة. حالة بالعجز عند البالغ تكون نتائجها في الغالب حالة ضيق وتبرم وانكفاء على الذات وبكاء على الأطلال، ولوم للآخرين من أنهم وقفوا في وجهه وتحدوه، وأضاعوا مستقبله، وهذا قد يصدق على حالات محدودة، لكنه لا ينطبق على كل الحالات.
هل قانون الشعور بالعجز الذي يعيشه الأفراد بجميع صوره ومسبباته ينطبق على الدول والمجتمعات؟ باستقراء حوادث التاريخ التي مرت وتمر بالمجتمعات والأمم يتأكد أن حالة الشعور بالعجز توجد في المجتمعات أيضا، كأن تكون حقيقية لنقص الإمكانات البشرية المدربة للقيام بمهام محددة تتطلب مهارات متقدمة، كحالات الإنقاذ نتيجة الكوارث كالفيضانات، أو الحريق، أو الحروب، فعدم القدرة على الغوص، وعدم توافر الأطباء على سبيل المثال، يؤديان إلى نتائج كارثية تزيد من الوفيات والمصابين، كما ترفع نسبة الخسائر المادية كسقوط البيوت، وكساد المحاصيل، وتلف السيارات والمراكب، وغيرها من ممتلكات الناس.
إدارة الذات إدارة جيدة تبدأ بتحديد الإمكانات بشكل واضح، ومن ثم تحديد الأهداف المناسبة للامكانات، سواء كانت على مستوى الفرد أو المجتمع، فحديث «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» توجيه شرعي يحث على العمل، وبذل الأسباب، والسعي إلى تحقيق الأهداف بما يتفق مع الإمكانات والمهارات المتوافرة، أو تلك الواجب اكتسابها، وفي سعي الأفراد تكامل نتيجته نماء المجتمع، وقوة داخلية وخارجية.
أسباب الشعور بالعجز إما حالة متوهمة لدى الفرد، وإما لدى إدارة المنظمة، أو المجتمع إذ شعر بصعوبة الوضع، واستحالة تحقيق الهدف، وهذا ينطبق على كثير من الحالات أفرادا، ومجتمعات، لذا نجد أوضاعهم وأوضاعها كمجتمعات تعيش حالة متردية، نظرا إلى عدم استثمار الإمكانات، مثل بعض الدول الغنية بالثروات المعدنية، والبحرية، والزراعية لكنها تعاني التخلف في جميع الأصعدة، وهذا يعود إلى افتقاد الإدارة النابهة التي تقتنص الفرص، وتحفز الجميع على العمل. كما أن من الأسباب افتقاد الهمة للعمل، وبذل الجهد، والركون للكسل، باعتقاد أن الرزق يتحقق حتى دون جهد يبذل، إذ بعضهم يأخذ من المثل القائل، "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، ومن "مد رجليك على قد لحافك" أساسا في تنظيم حياته، ويضاف إلى ما سبق افتقاد مبدأ الأولويات كأن يهتم مجتمع بصرف ما يتوافر له من أموال في نشاطات غير منتجة، وليس لها مردود على مستوى الاقتصاد على حساب أمور أخرى أجدى وأهم، كالاهتمام بالتعليم، والارتقاء بالخدمات الصحية، وإيجاد البنية التحتية، إضافة إلى برامج التدريب، والتحصين الفكري، وبناء منظومة القيم القادرة على مواجهة جميع التحديات الوافدة. إن كثيرا من مشاعر العجز التي لدى الأفراد وبعض المجتمعات ما هي إلا مشاعر متوهمة تتناسى وتنكر عناصر القوة الكامنة والمعطلة.