رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعدين النباتي .. نحو مستقبل مستدام

يعد التعدين من الصناعات الواعدة ذوات الأولوية القصوى في رؤية المملكة 2030، إذ يقوم على استخراج الخامات والمعادن والأحجار والطين والحصى والسلع المماثلة، سواء من سطح الأرض وباطنها أم من البحار والمحيطات. وتأتي الحاجة الملحة إلى المعادن من أجل تصميم الطرق وتشييد المستشفيات والمطارات والمنازل وصناعة السيارات وأجهزة الحاسب والأقمار الاصطناعية وتوليد الكهرباء، إضافة إلى توفير عديد من السلع والخدمات الأخرى. وتعمل صناعة التعدين من خلال سلسلة من المراحل، هي: الاستكشاف والتطوير والإنتاج والاستصلاح، وتوفر جميع مراحل دورة التعدين حافزا اقتصاديا مباشرا. وتوجد طريقتان شائعتا الاستخدام في التعدين، وهما: التعدين السطحي، والتعدين تحت الأرض، ويعد التعدين السطحي حاليا التقنية الأكثر شيوعا في جميع أنحاء العالم.
لكن الملاحظ في صناعة التعدين العالمية أنها تقع دائما تحت طائلة التبرم والاستياء خشية التدهور البيئي، أخذا في الحسبان أنها تقع ضمن أكثر المهن الصناعية خطورة. وهي لا تنافس على موارد الأرض والمياه فقط، بل تنتج عنها أيضا نفايات وملوثات تهدد الصحة والبيئة، ولذلك انبثقت أفكار وخيارات كثيرة واعدة تستحق الدراسة وإمعان النظر في كيفية الحصول على المعادن من غير الإضرار بالبيئة والصحة والسلامة، ولعل إحداها هي التعدين النباتي أو التعدين الزراعي، وهذا لب المقال والآخر هو التعدين الفضائي وسيفرد له مقال لاحق.
يهدف مفهوم التعدين النباتي نحو الحصول على المعادن باستخدام النباتات ويمكن زرع النباتات التي تمتص العناصر المعدنية من خلال جذورها في تربة ما، حيث يتم حصادها واستخراج المعادن منها لاستخدامها في عمليات صناعية مختلفة. إن زراعة نباتات محددة لمعالجة التربة بالمعادن ليست فكرة جديدة في حد ذاتها، لكنها عملية تعني استخراج المعادن من النباتات لجعلها قابلة للتطبيق تجاريا. وعندما نفكر في منجم معدني نموذجي، فمن المحتمل أن يكون تحت الأرض أو على سطحه.
وبدلا من التعدين التقليدي للمعادن، مثل النيكل أو الحديد أو الكوبالت المستخرج من الأرض والصخور، تستخدم النباتات كمصدر بديل لهذه المعادن. لقد درس التعدين النباتي لأول مرة في 1983 من قبل مهندس زراعي في وزارة الزراعة الأمريكية يدعى روفوس تشيني، لكن لم يتم تكييفه من قبل صناعة التعدين آنذاك. كما لاحظت آيين تجوا، وهي باحثة التربة في جامعة تادولاكو في إندونيسيا، أن بعض النباتات ازدهرت في مناطق مشهورة باستخراج معدن النيكل وكثرة المصانع. وكانت النباتات تمتص النيكل من التربة وتخزنه، وعلى الرغم من أن كميات كبيرة من المعادن تقتل معظم النباتات، لكنها تعلمت التكيف مع هذه الظروف القاهرة.
وإذا كانت هذه النباتات تحتفظ بالمعادن، فهذا يعني وجود طريقة علمية لاستزراع المعادن واستغلالها. وعندما تورق البراعم، يتم حرقها، بحيث تفصل المعادن عن المواد النباتية في الرماد. إن هذه النباتات تساعد أيضا على تنظيف التربة وتنقيتها من النوعيات الضارة من بعض المعادن، ويمكنها إعادة تأهيل واستعادة مواقع التعدين المهجورة في التربة، وبالتالي تصبح زراعة النباتات بمنزلة حجر الأساس للإمكانات التي يمكن أن تقدمها لصناعة التعدين، ما يوفر مزايا كبيرة للنظام البيئي وبناء مستقبل مشرق.
ومن الجدير بالذكر أن التربة تحتوي على معادن تستخدمها النباتات كعناصر غذائية طوال دورة حياتها، مثل النيكل والبوتاسيوم والكالسيوم والكبريت والنحاس والحديد والكادميوم والحديد وغيرها من المعادن المهمة، بل إن معدن الذهب ذاته سيكون قابلا للاستخراج من النباتات، كما ذكرت بعض الأبحاث الجارية في هذا الصدد. ولا يزال مفهوم التعدين النباتي محل أبحاث ودراسات وتطوير، ولا شك أنها ستكون نقلة نوعية في حال التمكن من اكتشاف تقنيات جديدة لنقل التعدين النباتي، بحيث يصبح قادرا على إنتاج المعادن تجاريا وبشكل مستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي