استهداف التضخم الجديد .. كيف؟ «2 من 2»

يؤكد بنك التسويات الدولية أن الأجور الحقيقية انخفضت بدرجة أكبر كثيرا مما كانت عليه الحال في نوبات التضخم السابقة. وتوضح لاجارد محافظ البنك المركزي الأوروبي، "لقد خسر العمال حتى الآن بسبب صدمة التضخم.. ويؤدي هذا إلى إشعال شرارة عملية مستدامة من اللحاق بالأجور".
من أين يأتي البنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، وبنك التسويات الدولية، وغير ذلك من المؤسسات الرائدة، بمثل هذه الأفكار؟ من المؤكد أنها لا تأتي من افتراضات قديمة تستند إلى منحنى فيليبس، وفجوات الناتج، والتيسير النقدي، و"الطلب الزائد". ربما لعب عملي الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، دورا ما، أو ربما يلقي الناس الآن نظرة جديدة على الحقائق.
أيا كان الأمر، فليس من المفيد أن نتوصل إلى التشخيص الصحيح ما دام العلاج غير فاعل أو ضارا حتى. في ظل الوضع الراهن، تظل الوصفة القياسية لمعالجة التضخم تتلخص في رفع أسعار الفائدة، حتى رغم أن هذا من شأنه أن يفضي إلى زيادة معدلات البطالة وارتفاع مخاطر الركود وعدم الاستقرار المالي. يقترح صندوق النقد الدولي أن "توقعات التضخم في أوروبا تعتمد على كيفية امتصاص أرباح الشركات لمكاسب الأجور". ولكن لا توجد قناة مباشرة من أسعار الفائدة المرتفعة إلى ضغط الهوامش. الواقع أن أي زيادة في تكاليف الاقتراض تقلل من قدرة الشركات على امتصاص زيادات الأجور.
كما لاحظ بعض محللي "وول ستريت"، أصبحت استراتيجية "السعر فوق الحجم الآن" واسعة الانتشار بين الشركات. فبدلا من خفض الأسعار وزيادة الحجم، تلجأ شركات عديدة إلى التعويض عن انخفاض الحجم بزيادة الأسعار، وفي هذه البيئة، من غير المرجح أن يؤدي خفض الطلب إلى وقف التضخم.
تعلمت الشركات الكبرى أنها ليست مضطرة إلى تحمل فاتورة صدمات التكلفة الضخمة، مثل الجائحة أو الحرب في أوكرانيا. وليس عليها حتى أن تتكيف. فهي كمثل البنوك الكبرى أثناء أزمة 2008 المالية، انغمست في ثقافة الإنقاذ وتمرير المسؤولية إلى غيرها. لكن مثل هذا السلوك لن يجعل الاقتصاد أكثر مرونة أو قدرة على الصمود. ينبغي لنا أن نرى اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة على حقيقته: فهو استراتيجية لإلقاء تكاليف التضخم على عاتق العمالة "عن طريق كبح الأجور"، وعلى البرامج الاجتماعية "من خلال التقشف"، وعلى أجيال المستقبل "عن طريق تثبيط الاستثمار".
كانت جيتا جوبيناث، نائبة المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، محقة بكل تأكيد عندما قالت الشهر الماضي: "إذا كان للتضخم أن ينخفض بسرعة، فيتعين على الشركات أن تسمح لهوامش أرباحها.. بالانخفاض". لكن تحقيق هذه النتيجة يستلزم الاستعانة باستراتيجية جديدة تهدف إلى ضبط الأرباح الجامحة، وتحفيز الاستثمار، وزيادة الإنتاجية، وتشجيع الشركات على جني المال بالطريقة القديمة: عن طريق بيع مزيد من المنتجات بأسعار عادلة.
في مناسبة شهيرة، أعلنت مارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية أنه "لا يوجد بديل" لاقتصاد السوق المتحرر من القيود. الواقع أن العام الماضي علم صناع السياسات أن البدائل عديدة. في إسبانيا، على سبيل المثال، أفضى نهج مبدع شامل لكل ما سبق إلى معدل تضخم أقل من هدف البنك المركزي الأوروبي، وفي الولايات المتحدة، ساعد النفط المصرح بإطلاقه من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي على مقاومة الضغوط التضخمية.
إن إجراء التحليل على النحو اللائق خطوة أولى بالغة الأهمية. والآن، يتعين على الاقتصاديين الفنيين والقادة السياسيين في المؤسسات الدولية والأوروبية أن يتابعوا بخطوة أخرى. نحن في احتياج إلى سياسات نابعة من فهمهم الجديد. أما إذا تعذر ذلك، فسيكون التصرف الأكثر أمانا إيقاف زيادات أسعار الفائدة، بشكل مؤقت، والامتناع عن القيام بأي شيء سوى السعي إلى جولة أخرى من إحكام السياسات النقدية. الواقع أن بديل عدم القيام بأي شيء متاح دائما.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي