رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الفقر في ظل الديون والأزمات

"إذا عجز المجتمع عن مساعدة الفقراء، سيعجز عن حماية الأغنياء"
جون كيندي، رئيس أمريكي راحل

في أواخر القرن الماضي، حققت برامج التنمية الدولية، ولا سيما تلك التي أطلقتها منظمات الأمم المتحدة المختلفة، قفزات نوعية على صعيد محاربة الفقر في العالم. واستمرت الإنجازات حتى الأعوام الأولى من القرن الحالي، بحيث خرجت أعداد كبيرة من الناس من ميادين الفقر، بل تحسنت ظروفهم الاجتماعية بما في ذلك وصولهم إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية والتعليمية والبيئية وغير ذلك. والفقر كان "وسيبقى" الهم الأكبر في هذا العالم، لأنه مرتبط ببساطة بالحياة المعيشية اليومية، كما أنه يفرز أشكالا اجتماعية خطيرة، مثل الجريمة والجهل وغير ذلك من عوامل تجعل الوضع العام في دائرة الخطر الدائم. والفقر، ليس حكرا على الدول التي توصف به، أو تلك التي يطلق عليها الدول الأشد فقرا، بل تسرب حتى إلى المجتمعات الغربية المتقدمة، بحيث ارتفع عدد الفقراء فيها في الأعوام القليلة الماضية.
مع الأزمات الأخيرة التي لا تزال حاضرة على الساحة، مثل تبعات جائحة كورونا، والموجة التضخمية الهائلة، تمت "إضافة" 165 مليون شخص إلى دائرة الفقر منذ 2020، بحسب الأمم المتحدة. وهذه الأخيرة وجدت أهمية كبيرة في ضرورة مراجعة ديون الدول الفقيرة، إلى أن تتحسن الأوضاع المعيشية فيها. وبسبب الأثر التراكمي لهذه الأزمات أو الصدمات، سقط ما يزيد على 75 مليون شخص في ساحة الفقر المدقع بين 2020 و2023. ويفسر هذا النوع من الفقر بدخل يقل عن 2.15 دولار في اليوم. ومع نهاية العام الجاري سيقع 90 مليون إنسان تحت خط الفقر البالغ 3.65 دولار في اليوم الواحد. مع هذه الأرقام التي اعتمدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تبدو الأمور أسوأ في المرحلة المقبلة، خصوصا في ظل تراجع وتيرة النمو على مستوى العالم، بما في ذلك الدول التي كانت تعد محركة أساسية للنمو.
المجموع الكلي للأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر عالميا، بلغ مع الأزمتين المشار إليهما 719 مليون شخص، أو ما يوازي 9.2 في المائة من إجمالي عدد البشر على كوكب الأرض. ويبدو واضحا أن القفزات النوعية التي حققتها البرامج العالمية الإنمائية في العقدين الماضيين، تلاشت تماما تحت ضربات الموجات الجديدة من الفقراء، ولا سيما أولئك الذين ينضوون تحت سقف الفقر المدقع. واللافت، أن البنك الدولي قدر عدد الأمريكيين الذين دخلوا فعلا في دائرة الفقر بـ37.9 مليون شخص، أو ما يساوي 11.6 في المائة من عدد السكان. والأمر ينسحب أيضا على الدول الأوروبية المتقدمة، التي تعاني اتساع رقعة الفقراء فيها، على الرغم من التدخلات الحكومية الإنقاذية في الأعوام الثلاثة الماضية. فبحسب تقرير لجامعة لندن، بلغ عدد الفقراء في المملكة المتحدة 14.5 مليون شخص ما يقرب من 22 في المائة من إجمالي عدد السكان.
وإذا كانت الدول المتقدمة قادرة على مواجهة أزمة تفشي الفقر، وإن بتكاليف عالية ومعاناة اجتماعية، فإن الأمر ليس كذلك في ساحات الدول الفقيرة أصلا، أو تلك التي فقدت وتيرة النمو فيها في الأعوام الثلاثة الماضية. فالمشكلة هنا تكمن في عدم قدرة هذه الدول على السداد، وهي بالتأكيد تحمل ديونا هائلة على كاهلها. مع بداية انفجار جائحة كورونا، تحركت المملكة التي كانت ترأس دورة مجموعة العشرين آنذاك، من أجل حماية الدول الفقيرة التي تعاني مديونية مرتفعة، وتم الاتفاق وقتها على تجميد الديون، أو إعادة جدولتها، وتوفير الدعم الصحي اللازم لها دون مقابل مادي. وبالفعل ساعدت هذه الخطوة، على تخفيف معاناة الدول الفقيرة، التي اتجهت لمعالجة الكارثة المفاجئة للعالم أجمع.
هناك عوامل خطيرة أخرى تدفع أرقام الفقراء إلى الأعلى. فعلى سبيل المثال، تعتقد كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، أن الضغط السياسي المتزايد على الدول للاختيار بين الولايات المتحدة والصين، سيؤدي حتما إلى نمو اقتصادي أقل في جميع أنحاء العالم، خصوصا في الدول الفقيرة. وهذا صحيح إلى أبعد الحدود، فالاستقطاب يفقد الدول الهشة اقتصاديا ما تملكه من قوة لتحقيق النمو. وفي الأعوام التي سبقت كورونا والموجة التضخمية الراهنة، كانت مستويات النمو في هذه الدول عالية، واستفادت كثيرا من تسهيلات تجارية منحتها إياها دول عديدة مؤثرة ذات أسواق كبيرة. فالتجارة وفق قاعدة القطبين، ستكون بالضرورة تصادمية، ما يؤثر مباشرة في أوضاع الفقر في هذا البلد أو ذاك.
ستتواصل ضغوط الفقر في الدول النامية، خصوصا تلك التي تصنف بالأشد. فقد أظهر تقرير حديث للأمم المتحدة، أن 3.3 مليار شخص يعيشون في دول تنفق على تسديد فوائد الديون، أكثر من إجمالي إنفاقها على التعليم والصحة. وعلى هذا الأساس، لا بد من التوصل إلى حلول مقبولة ومعقولة لديون هذه الدول في أقرب وقت ممكن، وذلك لكيلا تتسع أكثر دائرة الفقر، وتلتهم معها أي نمو اقتصادي محلي. مع ضرورة الإشارة هنا، إلى أن ضغوط الديون تعاظمت في العامين الماضيين نتيجة زيادات مطردة لمعدلات الفائدة على العملات الرئيسة، وفي مقدمتها الدولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي