تزايد التهديدات للتجارة العالمية والحمائية «4 من 4»
عموما نجد أن الحجج ضد التجارة التي تؤكد هشاشة سلاسل الإمدادات لا تتسق مع الأدلة. وقد استخدمت هذه الحجج لإذكاء المزاج العام المؤيد للحمائية الذي نشأ في المرحلة الأولى، لكن في نهاية المطاف لم تكن الآثار المبدئية قادرة على الاستمرار. وحققت التجارة نموا سريعا في 2021 مع تجاوز العالم منعطف إدارة الجائحة.
وحول دور الضغوط الجغرافية ـ السياسية بدأت المرحلة الثالثة مع الحرب الروسية - الأوكرانية في شباط (فبراير) 2022. وبالنسبة للجمهور العام، أبرزت هذه الأحداث أخطارا جديدة ناجمة عن التخصص على النطاق الدولي. فمع قطع روسيا إمدادات الغاز إلى الدول الأوروبية وارتفاع أسعار الطاقة ارتفاعا بالغا، اتضحت عيوب الاعتماد على بلد واحد في الواردات من مدخلات الإنتاج الحيوية. ولم تكن المخاوف متأصلة في حالة روسيا، لكن باستنباط الأوضاع، بدأت الدول تستعرض احتمالات ما قد يحدث إذا اضطرت للانفصال عن الصين بين عشية وضحاها. وخلص صناع السياسات إلى أنه سيكون من الأفضل لهم الانفصال على الفور، إن لم يكونوا قد فعلوا ذلك بالفعل، وفق شروطهم الخاصة.
وفي حدود الفترة الزمنية نفسها، اعتمدت الدول نمطا فكريا جديدا على نطاق واسع ـ وهو أن الرخاء الدولي مباراة صفرية النتيجة. وفرضت الولايات المتحدة حظرا على صادراتها إلى الصين من شرائح المنطق والذاكرة المتقدمة والمعدات المستخدمة في إنتاجها. فتكنولوجيا أشباه الموصلات لها استخدامات عسكرية بلا شك، وحظر التصدير يمكن أن يتسبب في انتكاس القدرات العسكرية في الصين. لكن هذه التكنولوجيا لها استخدامات أكبر بكثير في القطاع المدني، لذا فإن الحظر يعرقل أيضا التطور التكنولوجي في القطاع المدني. وتحول العالم من عالم يشجع التجارة والمنافسة والابتكار في كل الدول إلى عالم لا تسعى فيه الاقتصادات الأكثر تقدما للتنافس فحسب، بل للاستئثار. والاحتمال الآخر هو أن ينتهي الأمر في العالم إلى التجزؤ في معسكرات متنافسة وأن حربا باردة جديدة ستتكشف، وفي هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين.
في هذه المرحلة فإن أي تنبؤات هي من قبيل التكهنات إلى حد كبير، نظرا لأن النتائج، كما في السابق، ستتوقف بدرجة كبيرة على اختيارات السياسات. وأحد الاحتمالات هو أن هذا آخر المطاف بالنسبة إلى حركة التراجع عن العولمة، فستقتصر التدخلات للاستئثار بفرص الحصول على التكنولوجيا على تلك المنتجات ذات الاستخدام المزدوج المؤكد، بينما ستواصل التجارة الانتعاش في غيرها من المنتجات. لكن هناك احتمالا آخر بأن ينتهي الأمر في العالم إلى التجزؤ في معسكرات متنافسة وأن حربا باردة جديدة ستتكشف، وفي هذه المرة بين الولايات المتحدة والصين "وحلفاء كل منهما". وقد تكون عواقب الاحتمال الثاني وخيمة.
حول حرب باردة جديدة تؤكد نماذج النمو طويلة الأجل الكثيرة أهمية حجم السكان في البحث والتطوير. فمن المتوقع أن تتمتع أكبر دول العالم وأكثرها سكانا بأفكار جديدة وتتمكن من تحقيق المزايا المطلقة، وهو ما يتأكد من مراكزها السوقية الرائدة في مختلف المنتجات. وفي حال انفصام عرى التعاون العلمي بين الصين والولايات المتحدة، فإن فرص العالم ستكون محدودة في التوصل إلى حلول لما قد يأتي من جوائح وأمراض مستوطنة.