رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ما وراء البصر

لم يكن يخطر ببال ذلك الطفل اليتيم الفقير أنه سيكون البوابة التي سيدخل منها البشر إلى العالم الخفي المؤدي إلى أعظم علم في تاريخ البشرية، ذلك العالم الذي لا تدركه الأبصار بكائناته المتناهية في الصغر التي تشاركنا أدق تفاصيل حياتنا وتعيش معنا رغما عنا!
منذ البدء والبشر يسعون خلف المعرفة لفهم ما يدور حولهم لذلك عندما حاول فلاسفة الإغريق معرفة أسباب الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوان قادهم تفكيرهم إلى وجود كائنات حية دقيقة لا تراها أعيننا، تعيش في الهواء والماء والتربة وتسبب الأمراض، بقي ذلك العالم مجهولا لقرون فأعيننا بقدرتها المحدودة لا تستطيع رؤية أي شيء يقل حجمة عن 0.2 ميللمتر، لكن شغف ذلك اليتيم الهولندي أنتوني فان ليفينهوك بالاكتشاف مكننا من رؤية ما لا يرى!
وولد ليفينهوك في 1632 وعاش يتيما وفي سن الـ16 تنقل في عدة أعمال لكسب الرزق ومنها عمله في محل الأنسجة والخرداوات، التي كان من مهامه فيها فحص جودة الأنسجة بعدسة يدوية وكانت هذه بداية علاقته بالعدسات التي استخدمها لأول مرة المصريون القدماء والمصنوعة من الكريستال أو حجر السج اللامع، لتحسن رؤية الأشياء الصغيرة، كما استخدم الإمبراطور الروماني نيرون الأحجار الكريمة الصافية لرؤية الممثلين الذين كانوا على مسافة بعيدة في العروض المسرحية، إلى أن قام الفيلسوف الإنجليزي روجر بيكون في 1250 باختراع العدسة المكبرة.
لم يكتف ليفينهوك بفحص خيوط الأنسجة بل أخذ يفحص كل ما يحيط به، فأصبح يرى الأشياء بصورة مكبرة لا يراها سواه، فبدأ ينظر إلى الشعر النابت على يده ورأس قلم الرصاص الذي يكتب به، واهتم بصناعة العدسات وصقلها وتمكن من صناعة 419 عدسة ركب منها 247 مجهرا بسيطا تراوح قوة التكبير فيها بين 40 و270 مرة، وبهذه المجاهر البسيطة اكتشف كثيرا من العجائب، فقد جاب الحدائق والغابات وجمع كل ما تراه عينه لوضعه تحت عدسته، حتى وصل إلى ماء المخلل الذي جعله يتساءل عن سبب تلك اللذعة فيه، فأخذ منه عينة ووضعها تحت مجهره وكانت دهشته كبيرة حين رأى لأول مرة في التاريخ، كم من الكائنات الحية الدقيقة تتحرك أمام عينيه ووصف حركتها ورسمها بدقة في كتاباته، ومع الأسف لم يصدقه أحد بل صدق نفسه وآمن بقدراته رغم أنه لم يكمل تعليمه ولم يعرف لغة سوى لغته الأم، حتى تمكن من الوصل إلى الجمعية الملكية البريطانية ونشر رسائله ورسوماته التي أذهلت البشرية، وكشفت النقاب عن عالم من العوالم المتعددة حولنا فسبحان الله!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي