تزايد التهديدات للتجارة العالمية والحمائية «3 من 4»
إن عواقب سياسية كبيرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وفي الوقت نفسه، صنعت الحوكمة فائزين كبارا، مثل: الشركات "فائقة الشهرة" متعددة الجنسيات التي أفادت من التخصص الدقيق في سلاسل القيمة العالمية، في هيئة التكاليف المنخفضة والأرباح المرتفعة، إلى جانب فئة من الأفراد الذين يتقاضون مستويات عالية من المكافآت ممن جنوا الثمار المصاحبة لتوسع الأسواق والفرص الاقتصادية الجديدة. فالأمر لم يقتصر على أن البعض فاتهم الركب، بل إن آخرين كانوا يتسابقون نحو المقدمة.
وقد استغرق الاقتصاديون التقليديون فترة طويلة للإقرار بتلك الآثار. ولكن هذه الآثار لم تكن بالجديدة بمختلف الاعتبارات، فكانت انعكاسا للتوترات المعتادة بين الرفاهية الكلية وصراع توزيع الدخل الذي تولده التجارة. غير أن سرعة هذه التغييرات وحدتها هما ما أعطى هذه التوترات بعدا جديدا. وبالمثل، لم يكن هناك جديد أساسا في توصيات الاقتصاديين، حيث رفض معظمهم الحمائية كحل وصادقوا على أحد أشكال إعادة التوزيع من الفائزين إلى الخاسرين.
وفي الوقت ذاته، أخذت الحكومات الغربية تزداد قلقا من أن المنافسة مع الصين "ليست عادلة" نظرا لأنها تستخدم الدعم إلى جانب القيود التي تفرضها على الشركات الساعية لدخول أسواقها. وقد حفز ذلك مطالب بوضع سياسات أكثر ميلا للمواجهة مع الصين، ولا سيما أنها لم تعد اقتصادا ناميا فقيرا.
ولا شك أنه كانت هناك ردود فعل قوية من قبل إزاء التجارة العالمية، ولا سيما في نطاق احتجاجات سياتل عام 1999. ولكن هذه الحركات لم تؤثر في السياسة. ولم تكن هناك أسباب كافية للاعتقاد أن رد الفعل المضاد للعولمة بين عامي 2015 و2018 كان سيخلف كذلك عواقب على مستقبل العولمة. وفي آخر المطاف، كان العالم وثيق الترابط لدرجة لا تسمح له بالعودة إلى النظام القديم.
وبشأن ضغوط الجائحة فقد بدأت المرحلة الثانية من حركة تراجع العولمة مع دعوات التحلي بالصلابة مع بداية الجائحة في 2020. ولكن ما المقصود بالصلابة؟ لا يوجد مقياس مرجعي واضح. يعتمد تعريف الصلابة وقياسها على طبيعة الصدمة. فجائحة كوفيد، مثلا، كانت صدمة عرض ـ مع مواجهة أهم الموردين الدوليين حالات الإغلاق العام في أوقات مختلفة، مما تسبب في تباطؤ عمليات التوصيل ـ وصدمة طلب على حد سواء، حيث ازداد الطلب بسرعة على السلع الطبية والسلع المعمرة كالسيارات وشراء المسكن الثاني.
وأثناء الجائحة، كانت حالات التأخر في عمليات التوصيل قصيرة الأجل وحالات النقص في الإمدادات نتيجة اضطراب التجارة الدولية يشار إليها على نطاق واسع بالأزمة. ولكن تم تضخيم جانب كبير من هذا الأمر مع أن الأسواق في واقع الأمر كانت تتمتع بصلابة كبيرة "دراسة Goldberg and Reed 2023a". فالولايات المتحدة، مثلا، تستورد السلع والمستلزمات الطبية من مجموعة من الدول المختلفة. والاستثناء الوحيد هو الأقنعة الوقائية. ولكن في 2020 وصلت شحنات أقنعة الوجه من الصين في غضون أشهر، وهو ما يعني أنه تم التغلب على النقص تماما.
ومثل هذه الأمثلة تبين أن التجارة الدولية أدت إلى زيادة الصلابة. وعلى المنوال نفسه، حافظت الولايات المتحدة فعليا على العلاقات التجارية، فقد دخل المستوردون في معاملات تجارية مع شركاء أجانب على نحو أكثر انتظاما وسعوا إلى التعاقد مع موردين جدد، رغم انخفاض حجم التجارة الكلي. وفي دراسات أخرى تقوم على نماذج محاكاة كمية، يتضح أن التجارة الدولية تجعل الاقتصادات أكثر تنوعا في مصادرها ومن ثم أكثر صلابة "دراسة Caselli and others 2020، ودراسة Bonadio and others 2021". والتفكير البديهي هو أن صدمات العرض أقل ارتباطا عبر الاقتصادات مقارنة بارتباطها داخل الاقتصادات وأن فرص النفاذ إلى موردين متعددين تسمح بسهولة الاستجابة للصدمات ذات الخصوصية القطرية.