رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل ما بعد حرب روسيا وأوكرانيا ليس كما قبلها؟

مع بداية الحرب بين روسيا، وأوكرانيا طرحت كثير من الأفكار، والرؤى من قبل سياسيين، ومفكرين، وباحثين لتفسر وتبرر الحرب مثل سعي روسيا لحماية أمنها القومي بعد أن طلبت أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، الذي لو تم، يترتب عليه إقامة قواعد عسكرية غربية على الحدود الروسية، كما تم طرح فكرة أن الحرب ما هي إلا خدعة أمريكية لجر روسيا إلى مأزق يضعفها، ويعطي الفرصة للتدخل في شؤونها، وانطلت على الروس بعدما تجاهل الغرب استيلاء روسيا على جزيرة القرم، وفصلها عن أوكرانيا، وضمها للاتحاد الروسي، كما تناولت الرؤى التوقعات بشأن الحرب، وإمكانية حسمها في أشهر، إن لم يكن في غضون أسابيع، لكن هذا لم يتحقق، ودخلت الحرب عامها الثاني لتتحول إلى حرب استنزاف لكلا الطرفين روسيا من جهة، وأوكرانيا، ومعها الغرب، وإن لم يكن بكامله لتشكل الحرب نقطة خلاف سياسي قائم على مصالح الدول، وليس خلافا أخلاقيا، فالحروب لا تعرف الأخلاق في أسباب نشوئها، ولا في إدارتها.
المستقبليون، أو ذوو التنبؤات المستقبلية رددوا عبارة ما بعد حرب أوكرانيا ليس كما قبلها، وهذا النوع من التفكير جميل، ومفيد في الوقت ذاته لرسم صورة المستقبل، والاستعداد له، بدلا من الوقوع في المفاجآت غير السارة، ذات النتائج المؤلمة. تقبلنا لعبارة ما بعد الحرب ليس كما قبلها، والتسليم بها يستوجب معرفتنا في أي المجالات، هل في الفضاء السياسي، أم الاقتصادي، أم العسكري، أم في المناخ، والآثار الناجمة عن الأسلحة المستخدمة، أم ماذا؟
لو قدر لروسيا، وحسمت الحرب لمصلحتها ميدانيا، وليس بالطرق السياسية، والدبلوماسية لتحقق الأمن القومي الروسي، الذي يخشى جوار القواعد الغربية له، وما يمكن أن يحدث من احتلال لأراضيه، وتمزيق لوحدته، كما أن من النتائج تبدل وضع العالم من هيمنة القطب الواحد، كما هو سائد الآن من هيمنة أمريكية تصل لحد الاستبداد، وقهر الشعوب إلى تعدد الأقطاب، وفي ذلك توازن بين القوى، وتحجيم لتغول طرف يملك القوة الفتاكة على دول، ومجتمعات ليس لديها القوة الكافية، كما قد يترتب على ذلك تهديد أمن دول أوروبية مجاورة لروسيا كبولندا، ولاتافيا، والنرويج لمساندتها أوكرانيا.
كما أن انتصار روسيا سيترتب عليه غياب دولة بأكملها لها من الثروات، والإمكانات المادية، ما يعزز الاقتصاد الروسي، الذي لا يتناسب مع مساحة الدولة الشاسعة، ويضاف لما سبق إمكانية ظهور قوى دولية أخرى لها وزنها الاقتصادي، والعسكري كالصين على سبيل المثال، أو أي دولة أخرى لديها الطموح لتسنم موقع متقدم على الصعيد العالمي.
أما لو قدر، وانتصرت أوكرانيا، وداعموها الغربيون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فنتيجة ذلك ستكون زيادة نفوذ، وبطش القطب الواحد، وابتزاز الدول، وإثارة الحروب كلما تراجعت مكاسب تجار السلاح، والحروب، مع إمكانية احتلال روسيا، وتقسيمها نتيجة ضعفها عسكريا، وسياسيا، وسيحدث لها ما حدث لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التي لا تزال تخضع لنفوذ الولايات المتحدة.
استمرار الحرب فترة طويلة يمثل حالة استنزاف لكلا الطرفين، وفي حال استمرارها فترة أطول ستزيد معاناة الاقتصاد العالمي، وزيادة التضخم، فكلما تم استنفاد الموارد الطبيعية لإنتاج الأسلحة باهظة الثمن زادت المعاناة، وتفاقم وضع الشعوب، كما نشاهد في أوروبا، التي بدأت شعوبها تتململ، وتنزل للشوارع معبرة عن ضيقها، وتبرمها من الأحوال الاقتصادية، ويكفي أن نعلم أن ضربة روسية لمخزن أسلحة غربية في أوكرانيا كلفت ملياري دولار دفعتها الشعوب من الضرائب.
من الاحتمالات أن تنزلق روسيا، والغرب إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر بوجود آلاف الرؤوس النووية لدى الطرفين، خاصة بوجود متطرفين تحركهم مشاعر العداء التاريخي، والديني، والطمع الاقتصادي، وشهوة الهيمنة، والزعامة الجامحة، بل إن البعض يرى أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي