برودين قائد التغيير في "إيكيا": أعشق الماضي وأصنع المستقبل

برودين قائد التغيير في "إيكيا": أعشق الماضي وأصنع المستقبل

ماذا يحدث عندما يتم تعطيل من عطّل آخرين؟
أحدثت شركة إيكيا ثورة في تجارة التجزئة منذ الخمسينيات، حيث أقنعت المتسوقين بالسفر إلى متاجرها خارج المدينة، والتنقل في أروقتها الشبيهة بالمتاهة لتسلم أثاثهم ونقله إلى المنزل وتركيبه بأنفسهم. لكن عندما تولى يسبر برودين منصب الرئيس التنفيذي 2017، سرعان ما أصبح واضحا أن زبائنه قد طفح بهم الكيل.
سافر برودين، الذي يدير مجموعة إنجكا، التي تشغل متاجر "إيكيا"، إلى إسبانيا والمملكة المتحدة والسويد والولايات المتحدة وكندا واليابان والصين وروسيا للتحدث مع العملاء. أعطاه الجميع الرسالة نفسها: نحب "إيكيا"، لكنها لا تناسبنا. شكواهم الرئيسة؟ عدم وجود أماكن ملائمة للتسوق.
يذكر برودين ملاحظ العملاء، "في ليلة من ليالي الثلاثاء، عندما أعود إلى المنزل من العمل وقد أطعمنا الأطفال، وعملوا واجباتهم المدرسية، وأنا بحاجة إلى شراء كرسيين قابلين للطي، لن أذهب إلى متجر إيكيا. وإذا لم يكن بإمكانك تقديم فرصة لي وفقا لشروطي، فلن أختارك".
يقول السويدي اللطيف، الذي عمل ذات مرة مساعدا لمؤسس شركة إيكيا الأسطوري، إنجفار كامبراد، إنه قدم "تقريرا عن رحلته" لما اعتقده العملاء، ليدركوا حينها أنهم توصلوا إلى الاستراتيجية الجديدة التي كانت "إيكيا" بحاجة إليها.
"نحن من أحدثنا ثورة في عالم الأثاث في القرن الـ20 - وعطلنا أعمال غيرنا. فجأة عطلت ثورة التكنولوجيا وتجارة التجزئة الجديدة أعمالنا. لذلك كان من الواضح لي أنه لم يعد قرارنا بعد الآن، بل قرار عملائنا".
قاد برودين التغييرات على عدة جبهات، حيث استثمرت "إيكيا" أموالا طائلة في أعمالها عبر الإنترنت، في محاولة للحاق بمنافسين مثل شركتي أمازون وعلي بابا اللتين اجتذبتا كثيرا من عملائها، وجربت مفاهيم المتاجر الصغيرة، بما فيها في وسط المدن الكبرى ومراكز التسوق، التي طالما عارضتها الشركة، وقدمت للمتسوقين خدمات جديدة، من التوصيل إلى المنازل إلى الدفع لشخص ما لتركيب الأثاث - وذلك من خلال واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ التي أجرتها على الإطلاق، وهي خدمة المهام الصغيرة، تاسك رابيت.
نجتمع معه في إحدى ثمار التحول، متجر صغير وسط باريس، قرب كنيسة لا مادلين التي تعود إلى القرن الـ19. لشركة كانت متاجرها مخازن ضخمة بجوار "حقول البطاطس"، كما يحب الرئيس التنفيذي أن يقول، هذا تغيير كبير.
يقول برودين إن اتخاذ قرارات صعبة أسهل لأنه كان من الواضح أن نموذج عمل "إيكيا" القديم غير ناجح.
"ربما لم أكن لأمتلك الشجاعة للشروع في هذه الرحلة ما لم تكن هناك إشارات بأن وضعنا لا يتحسن. يمكنك القول إن فاعلية استثماراتنا في النموذج القديم كانت تؤتي ثمارها أقل فأقل. كنا نفقد حصتنا، خاصة في الإنترنت".
كان يعلم أيضا أن التغييرات يجب أن تكون سريعة، "اختيار نهج متجدد، لم أستطع ببساطة أن أؤمن به بنفسي. اعتقدت أن هذا سيستغرق وقتا طويلا، وسنتشبث كثيرا ببعض الحقائق القديمة. بالطبع، في تلك اللحظة، تشعر بالوحدة قليلا. وتتساءل: كيف سيكون هذا في مصلحتنا جميعا؟".
أصبحت مهمة برودين أكثر صعوبة بسبب وجود كامبراد، الذي أسس "إيكيا" عندما كان عمره 17 عاما في 1943 وأعطاها ثقافتها الفريدة، ما أدى إلى إنشاء هيكل مؤسسي معقد أعسر من تعليمات تركيب أثاث الشركة ليس فقط لتقليل الضرائب، بل لمنعها من الإدراج أو الاستحواذ عليها.
لم يكن كامبراد مقتنعا بالتجارة الإلكترونية على وجه الخصوص. قال برودين، "كانت هناك لحظة في 2005 أو 2008 عندما كانت مخاوفه تثقله أكثر من الفرص. الخوف من التكلفة وتعطيل ما كان مثاليا في سلسلة القيمة لدينا جعله يتخذ موقفا واضحا للغاية وهو أننا لن نسير في هذا الطريق".
عندما تولى برودين زمام الأمور، كان كامبراد واهنا - توفي بعد بضعة أشهر فقط - لكنه عاد أيضا إلى العيش في السويد بعد عقود من المنفى الضريبي في سويسرا. زادت عودته من الضغط على برودين، لكن الرئيس التنفيذي لم ير أي خيار آخر سوى الانفصال عن الماضي وتبني التجارة الإلكترونية.
يضيف، "مبدئيا، كان هناك إدراك بأن القرار ليس في أيدينا. لقد تغير شيء ما في المجتمع".
يعترف برودين، الذي يرتدي زي شركة إيكيا الرسمي من القميص والسترة غير الرسمية، أن بناء الزخم داخل الشركة من أجل التغيير استغرق وقتا. يقول، "بصفتك قائدا، عليك أن تكون الملهم في الواجهة الأمامية وأن تشرك نفسك في التفاصيل، وعليك التعامل مع المشكلات المستعصية".
يذكر صعوبتين رئيستين واجهته في قيادة التحول، "علينا قبول أننا سنغير نموذج أعمالنا جزئيا على الأقل. والأخرى، يمكن أن أقول، الخوف من المجهول. لقد مررت ببعض اللحظات المخيفة. لكن لم تبد فكرة عدم تغيير شيء جذابة للغاية أيضا".
يبدو أن الخطة تحقق نجاحا مع زيادة المبيعات عبر الإنترنت من نحو 6 في المائة من الإجمالي إلى الربع. زاد متجر صغير جديد في مركز تسوق وسط ستوكهولم الإقبال السنوي - حيث كانت تملك "إيكيا" متجرين خارج المدينة فقط - من ستة إلى تسعة ملايين شخص.
مع أن كامبراد لم يشارك الرؤية الرقمية، إلا أن جزءا كبيرا من أعراف المؤسس لا يزال باقيا في "إيكيا"، بما في ذلك قبول الأخطاء. اعتاد كامبراد - الذي لخص حكمته المتواضعة في مجلد صغير عام 1976 بعنوان "شهادة تاجر أثاث" - ألا يخطط للاجتماعات ويطلب من المديرين ذكر أخطائهم. بنى برودين على ذلك، حيث منح كبار الموظفين "ترخيصا لفعل ما يشاؤون" لمحاولة التغلب على الخوف من ارتكاب الأخطاء - وهذا يعني، من الناحية النظرية، أنهم إذا خاطروا ولم تؤت محاولتهم ثمارها، فقد عفا برودين عنهم مسبقا. يعمل طاقمه على وضع كتاب عن أفضل أخطائهم. والهدف من ذلك هو تشجيع مزيد من المشاريع، وهو تحد في شركة أصبحت كبيرة جدا "حققت شركة إنجكا إيرادات قدرها 42 مليار يورو في عامها المالي الأخير".
لم يستثن برودين نفسه، قائلا إنه ارتكب ثلاثة أخطاء في متجر مادلين في باريس. في البداية، قررت "إيكيا" التخلي عن تصميمها الشبيه بالمتاهة في المتجر لمصلحة تصميم انسيابي، لكن العملاء اشتكوا. وكانت تعليقاتهم، "أريد أن أتأكد أني لا أفوت أي شيء". تمت إعادة تصميم المتاهة لكن مع وضع لافتات للطرق المختصرة. كانت الخدمات اللوجستية وسط المدينة أيضا مشكلة، وأمرا على "إيكيا" أن تتعلمه بالتجربة والخطأ. أخيرا، استأجرت "إيكيا" مساحة المتجر لأن برودين لم يرغب في المراهنة بشكل كبير على نجاحها، لكنه قال إن الشركة تنتقل الآن من امتلاك 20 في المائة من هذه المتاجر إلى نحو 80 في المائة.
وكان خطأ آخر ارتكبه هو التركيز أكثر من اللازم على المتاجر الصغيرة الجديدة بدلا من المتاجر الكبيرة التي تشكل الجزء الأكبر من الشركة. ويضيف، "لقد صححنا ذلك". ومن العوامل المساعدة أن جزءا من الحل للمشكلة الرقمية جاء من متاجر "إيكيا" الحالية- بدلا من بناء مستودعات جديدة لتلبية الطلبات عبر الإنترنت، تستخدم "إيكيا" متاجرها خارج المدينة، ما يجعلها أكثر كفاءة.
إذا كان لبرودين شعار، فهو "اعشق الماضي، واصنع المستقبل". جاءت خطته لـ"إيكيا" فيما يسميه "سباقات المسافة القصيرة - لثلاثة أعوام" حتى لا يبالغ الناس في التفكير في مشكلاتهم. يبعد السباق الحالي نحو عام عن نهايته، ويعتقد برودين أن السباق التالي قد يركز على الاستدامة وسلسلة التوريد في "إيكيا". تأمل الشركة في أن تكون ذات تأثير مناخي إيجابي بحلول 2030 - تقليص كمية انبعاثات الشركة أكثر مما تصدره سلسلة التوريد الخاصة بها - لكن برودين يقول إن الشركة ترغب في بذل المزيد لحماية الطبيعة وكذلك المناخ.
إنه مناصر مؤمن بوجوب أن تكون الاستدامة في جميع نطاقات الأسعار، وليس المنتجات الفاخرة فحسب. يسميها "خرافة خطيرة" بأنه "إذا كانت الأشياء ميسورة التكلفة، فهذا يعني أنها ذات نوعية رديئة وتلحق الضرر بالطبيعة".
مع انتهاء المقابلة، أخذني برودين إلى أحدث ابتكارات "إيكيا"، وهو غرفة "اندماجية" حيث يمكنك رؤية المطابخ أو غرف النوم وتغيير لونها أو تصميمها على الفور لرؤية كيف ستبدو في المنزل من خلال الواقع الافتراضي. يرى برودين أنها علامة على مدى استمرار تحول "إيكيا". يضيف، "لم نتوقف أبدا. في الخريف المقبل، سنبدأ من جديد، بتجديد أنفسنا، نسأل ما هو الشيء الكبير التالي المقبل، ويمكننا أن نشعر أن معدل التحول سيستمر".

الأكثر قراءة