قصة عن المرونة تتجلى فصولها في العالم النامي
"المرونة" هي واحدة من الكلمات الرنانة هذا العام، وهي تستخدم على نطاق واسع لوصف الاقتصاد الأمريكي، الذي يستمر في تجنب الركود ورفع النمو العالمي، على الرغم من أكثر الارتفاعات حدة في أسعار الفائدة منذ عقود. لكن هناك قصة أكثر إثارة للدهشة عن الثبات تتكشف في العالم النامي.
من بين أكبر 25 اقتصادا ناشئا، تفوقت ثلاثة أرباع من هذه الاقتصادات، التي قدمت بيانات، على توقعات النمو هذا العام – بعضها بهامش واسع، بما في ذلك الهند والبرازيل. ترتفع توقعات النمو العالمي في 2023 ويأتي معظم هذا الصعود من الاقتصادات الناشئة.
لم ير هذا الانتعاش سوى قلة من المحللين. فقد توقع محللون كثيرون أن تكون الاقتصادات الناشئة ضعيفة بشكل خاص أمام ارتفاع أسعار الفائدة وهذا التصور لا يزال سائدا، استنادا إلى نقاط ضعف الصين، المثقلة بالديون، وعدد قليل من البلدان الأصغر مثل غانا أو بوليفيا. لكن هذه الصورة تستثني الدول النامية الكبيرة غير الصين، من الهند إلى المكسيك، التي تمثل نصف العالم الناشئ من حيث الناتج الاقتصادي وأكثر من النصف من حيث عدد السكان.
صحيح أن أسعار الفائدة المرتفعة تسببت في أزمات في العالم الناشئ في الثمانينيات والتسعينيات، لكن كثيرا من الاقتصادات الناشئة الكبيرة دخلت جائحة 2020 بإصلاحات في الأنظمة المصرفية وانضباط مالي شديد. لقد كانت أقل اقتراضا من أجل الإنفاق التحفيزي، وشهدت ارتفاع العجز في المتوسط 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من 2020 إلى 2022، نصف ما هو عليه في الولايات المتحدة. الفكرة القديمة القائلة بأن كلمة "ناشئة" هي مرادف للتهور لم تعد قائمة.
الآن، القصة الأمريكية هي التي ترتكز على أسس مشكوك فيها. ترتفع سوق الأسهم الأمريكية مجددا ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى طفرة الذكاء الاصطناعي، التي من المرجح أن تثبت، مثلها مثل كل أنواع الهوس، أنها جزء من ضجيج. في الوقت نفسه، يتم الحفاظ على استمرار النمو الاقتصادي من خلال مليارات الدولارات من أموال التحفيز التي لا تزال موجودة في حسابات الادخار الأمريكية، إضافة إلى الأوضاع المالية التي لا تزال فضفاضة أكثر مما يريده الاحتياطي الفيدرالي. على الرغم من حجم ارتفاع أسعار الفائدة حتى الآن، يقول الاحتياطي الفيدرالي إنه لا يزال هناك زيادات أكثر في المستقبل حتى يصبح التضخم تحت السيطرة.
في المقابل، أصبحت البنوك المركزية في العالم الناشئ، بعد أن تحركت قبل الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، أقرب إلى تحقيق أهداف التضخم الخاصة بها – وخفض أسعار الفائدة مرة أخرى. عادة ما يكون التضخم أكثر شدة في الاقتصادات الناشئة، لكن، باستثناء القيم المتطرفة، يبلغ المعدل المتوسط الآن 5 إلى 6 في المائة – ليس أعلى مما هو عليه في الاقتصادات المتقدمة. هذا لم يحدث منذ أربعة عقود. بدأت بعض البنوك المركزية في العالم النامي خفض أسعار الفائدة ومن المرجح أن تتبعها بنوك كثيرة أخرى قريبا.
كما أن الاقتصادات الناشئة في طريقها للنمو بمعدل أسرع من 4 في المائة في المتوسط خلال العام المقبل، أو أسرع أربع مرات من الاقتصادات المتقدمة. على الرغم من أن الاقتصادات النامية عادة ما تنمو أسرع من الاقتصادات المتقدمة، فإن هذه الفجوة تقلصت العقد الماضي وتتسع الآن مرة أخرى. والمال يتبع النمو: إن الاستثمار الأجنبي في الأسواق الناشئة الكبيرة آخذ في الارتفاع. كما بدأت تتعزز قوة عملات هذه الأسواق مقابل الدولار منذ أواخر العام الماضي.
في حين أن العجز المالي بصدد البقاء مرتفعا بشكل غير عادي في الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الحالي، فإنه يتجه بالفعل نحو الانخفاض في معظم الاقتصادات الناشئة الكبيرة. نتيجة لذلك، يمكن أن يكون انتعاش العالم الناشئ أكثر استدامة.
مع ذلك، يواصل المعلقون التحذير من أزمات وشيكة في العالم الناشئ، كأن شيئا لم يتغير. بالعودة إلى الثمانينيات وأوائل التسعينيات، لم يقل عدد الدول الناشئة التي تخلفت عن السداد عن 25 دولة، وغالبا ما كانت تشمل دولا كبرى مثل البرازيل وتركيا. اليوم هناك خمسة فقط، وكلها صغيرة مثل بيلاروس وزامبيا.
على الرغم من أن الاقتصادات الناشئة الرئيسة تتمتع بشكل عام بحالة مالية جيدة، فإن لكل منها نقاط قوتها الخاصة. منذ بداية العام حتى الآن، يشهد جزء كبير من آسيا ارتفاعا بسبب الطلب المحلي القوي. في أمريكا اللاتينية، المحرك الرئيس هو الصادرات، ولا سيما صادرات السلع الأساسية، مع استمرار ارتفاع الأسعار. يساهم صافي الصادرات بنقطتين في نمو أمريكا اللاتينية، وما يصل إلى ثماني نقاط في تشيلي – جزئيا بفضل مبيعات المعادن المستخدمة في السيارات الكهربائية.
كما أنها "تنفصل" عن الصين. اعتادت الاقتصادات الناشئة أن تنمو بالتزامن مع الصين، الشريك التجاري الرئيس لها، لكن هذا الارتباط أصبح أضعف في الأعوام الأخيرة. كما سعت الدول المتقدمة إلى تقليل اعتمادها على التجارة مع الصين، وإيجاد فرص للاقتصادات الناشئة الأخرى.
العالم النامي لا يندرج تحت سيناريو واحد. هناك 155 دولة ناشئة، وإذا أدى تشديد الأوضاع المالية في نهاية المطاف إلى ركود في الولايات المتحدة، كما لا يزال يتوقع كثيرون، فسينتشر إلى الخارج ويثير المتاعب في بعضها. لكن إذا استعرنا هذه الكلمة الرنانة، فإن قصة هذه الاقتصادات حتى الآن هي قصة "مرونة" حقيقية.
رئيس روكفيلير إنترناشونال