تكاليف التشتت الجغرافي - الاقتصادي «3 من 3»

ستبلغ الخسائر الدائمة التي ستمنى بها الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة نحو 2 إلى 3 في المائة. إضافة إلى هذا، ستتعرض الدول منخفضة الدخل إلى ضغوط كبيرة، ما سيجعلها تفقد أكثر من 4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. من شأن هذه الخسائر أن تعمق مخاطر أزمات الديون، وتؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الاجتماعي وانعدام الأمن الغذائي. في الأغلب ما تكون الدول الفقيرة أكثر عرضة للمخاطر بسبب التشتت الجغرافي ـ الاقتصادي، وذلك لاعتمادها الكبير على واردات المنتجات الرئيسة وصادراتها، بما فيها السلع الأولية، التي يعد إيجاد موردين جدد لها أكثر تكلفة.
ما حجم هذه الخسائر مقارنة بالأحداث التاريخية؟ لعمل مقارنة بسيطة، ستكون خسائر إجمالي الناتج المحلي العالمي في حدود خسائر الناتج في 2020 بسبب جائحة كوفيد - 19، إلا أن هذه الخسائر يمكن أن تصبح دائمة.
ولن يتوقف مدى سوء الأمور على حجم القيود المفروضة على التجارة ومدى انقسام الدول إلى تكتلات فحسب، فعملية تصحيح الأوضاع نفسها يمكن أن تنطوي علي صعوبات بالغة. ففي حالة حدوث تشتت بشكل سريع، فسيكون تكيف سلاسل الإمداد معه ذا تكلفة باهظة. وسيعني هذا الأمر أيضا خسائر أكبر في إجمالي الناتج المحلي العالمي، تبلغ نحو 7 في المائة إذا كانت تكاليف عملية التصحيح كبيرة إلى حد بعيد.
إذن، ما الذي يمكن فعله لمنع أسوأ الخسائر بسبب التشتت السريع، بما في ذلك الخسائر التي تمنى بها أضعف الاقتصادات؟ تحدد مذكرة مناقشات خبراء الصندوق التي نشرت أخيرا الأساليب الممكنة للتعاون الدولي التي يمكن أن تساعد على الحد من مخاطر تشتت التجارة والخسائر التي يسببها عندما تزيد التوترات الجغرافية ـ الاقتصادية.
ومن أجل تجنب انتشار فرض الحواجز التجارية بشكل منفرد، ينبغي تعزيز قواعد منظمة التجارة العالمية، بما فيها آلية تسوية المنازعات. وينبغي للجهود متعددة الأطراف أن تركز على الإصلاحات بالغة التأثير حيث يتم تحقيق الاتساق إلى حد كبير بين السياسات الاقتصادية التي تفضلها الدول. ستبلغ الخسائر الدائمة التي ستمنى بها الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة نحو 2 إلى 3 في المائة.
إلا أنه في ظل البيئة الحالية، قد لا يتسنى دائما إحراز تقدم عن طريق الإجماع متعدد الأطراف. ففي المجالات التي لا تتسق فيها أفضليات الدول على نحو جيد، فإن التكامل الأعمق من خلال اتفاقيات التجارة الإقليمية، إلى جانب تبني موقف منفتح وغير تمييزي تجاه الدول الأخرى، يمكن أن يكونا سبيلا للمضي قدما.
أما الدول منخفضة الدخل، التي تعد الأضعف في مواجهة التأثيرات السلبية للتشتت السريع على النمو، فيجب ألا تصبح عالقة في خضم هذا الصراع. وإذا ما اتخذت الدول إجراءات منفردة، ومتى فعلت ذلك، فستكون هناك حاجة إلى آليات حماية ذات مصداقية لحماية الدول الضعيفة والتخفيف من تداعيات تلك الإجراءات على مستوى العالم. ويمكن أن تشمل هذه الآليات، على سبيل المثال، ممرات آمنة للأغذية والأدوية، إلى جانب إجراء مشاورات متعددة الأطراف لتقييم التأثير الاقتصادي للإجراءات المنفردة وتحديد تداعياتها غير المقصودة.
إن الاتجاه العام نحو التشتت الجغرافي ـ الاقتصادي يشكل تحديا كبيرا ستكون له عواقب اقتصادية بعيدة الأثر على الدول في جميع أنحاء العالم. إلا أنه بتعزيز نظام التجارة العالمي وتحديثه، سيكون بمقدورنا التغلب على هذه التحديات والحفاظ على المكاسب الكبيرة التي تتحقق من التكامل الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي