متى ستخرج بريطانيا من فخ اليأس؟

متى ستخرج بريطانيا من فخ اليأس؟

عندما سأله مراسل متشكك عما إذا كانت استراتيجية "بيزبول"، التي وضعها ستنجح في المباريات التجريبية ضد أستراليا، جاء رد قائد فريق الكريكيت الإنجليزي بن ستوكس صريحا، حيث أجاب سريعا: "هذه هي العقلية الإنجليزية. تحويل كل شيء إلى سلبي على الفور". لقد قام ستوكس بتغيير أداء فريقه مستخدما عقليته الإيجابية. وقد يكون عنده ما يعلمه لأمة غارقة في التشاؤم.
اعتدنا نحن البريطانيين أن نكون مرتبطين بالرصانة المتمثلة في مقولة "حافظ على هدوئك وامض قدما". ونرى الآن كل خبر رئيس جديد عن الإضرابات أو الرهون العقارية أو الجسور المتداعية كدليل آخر على التدهور النهائي. لا أحد يرغب في مواجهة التحديات العديدة التي نواجهها بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة كوفيد ومكائد الحكومات المروعة. لا شك أني ساخطة على إخفاقاتنا التي لا تعد ولا تحصى. لكنني أخشى أن يتحول يأسنا الوطني إلى فخ.
عندما تذكر أننا سادس أكبر اقتصاد في العالم، ستقابل بمرارة: "اعتدنا أن نكون في المرتبة الخامسة". وإذا ما أشرت إلى نجاحاتنا العالمية في السينما والتلفاز، فستسمع: "إنهم يصوروننا دائما على أننا الأشرار". قبل أيام، في محاولة للعثور على سبب يشعرني بالبهجة، قلت لصديقتي أن أطفالنا على الأقل لا يخشون أن يقتلوا بالرصاص في المدارس كما يحدث في أمريكا. قالت بحزن: "حسنا، على الأقل مدارسهم ليست آيلة للسقوط".
لطالما أحببنا نحن البريطانيين الفشل البطولي: كالانسحاب من ميناء دنكرك، وهجوم اللواء الخفيف الذي خلده اللورد تينيسون في قصيدته. لكن لسوء الحظ أن أخطاءنا الأخيرة محرجة وليست بطولية، إذ نرى عجز الأسر بسبب ما يشبه دوامة فريدة من نوعها للأجور والأسعار. إن تصورنا لأنفسنا بالعناد في سبيل التكيف، والتي تشكلت خلال الغارات الجوية التي شنها الألمان على مدننا، تفسح المجال لما يسميه خبير استطلاعات الرأي جيمس كاناجاسوريام تشاؤما يعزز نفسه ذاتيا، حيث يعتقد عدد أقل وأقل من الناس أن الحياة ستتحسن.
عندما يعبر المستثمرون والمديرون التنفيذيون الدوليون عن شكوكهم بشأن مستقبل المملكة المتحدة، يميل البريطانيون من حولهم إلى الاتفاق معهم، والاعتذار لأن الأمور سيئة للغاية. على مأدبة عشاء خاص أخيرا، شارك مجموعة من رجال الأعمال تنبؤاتهم القاتمة للبلد إلى أن صاح أمريكي ثري: "ما خطبكم يا رفاق؟"، حيث قال إنه عاش وعمل في لندن لعدة أعوام، لأنها "لا تزال أفضل مدينة في العالم". وأثناء حفل غداء، قام أستاذ الطب بجامعة أكسفورد السير جون بيل بتعديد المزايا الاستثنائية للمملكة المتحدة في علوم الحياة، ثم حث مستمعيه على اغتنام اللحظة، مقتبسا من كلام زميله الكندي واين جريتزكي: "تطلع للمستقبل طوال الوقت، ولا تلق للماضي بالا".
هناك خطأ ما عندما يطلب منا حلفاؤنا القدامى بأن نسيطر على زمام الأمور. فالحكومة تقوم بالتعامل مع المشكلات العاجلة، وتتردد عن المخاطرة بأي شيء يمكن أن يؤدي إلى تدهور التمويل العام. لكن نظرتها الحذرة وليست المتفائلة تؤدي إلى تفاقم الإضرابات في هيئة خدمات الصحة الوطنية، التي يحتاج موظفوها إلى الاعتقاد بأن هناك شيئا أفضل ينتظرهم في المستقبل. وهي تعزز اللامبالاة في منطقة وايتهول، التي تحملت عديدا من التغييرات في توجهات الحكومات في الأعوام السبعة الماضية لدرجة أنها فقدت الأمل. فيما يكافح قادة القطاعين العام والخاص على حد سواء ما يبدو وكأنه "استقالة هادئة": فالموظفون الذين تمت حماية دخولهم أثناء جائحة كوفيد، سئموا الآن وأصبحوا يقومون بالحد الأدنى من عملهم.
مع رحيل بوريس جونسون من المشهد، حان الوقت لنفض الغبار عن أنفسنا والبدء في التركيز على الإيجابيات. مؤسساتنا لم تتعرض للانهيار في عهد جونسون وليز تروس، بل انتصرت عليهما. في حين تبدو الانتخابات الأمريكية المقبلة وكأنها اختيار بين رجلين مسنين، أما انتخاباتنا فستكون بين مرشحين عاقلين، وإن كانا مملين بعض الشيء. هناك مجموعة مثيرة للإعجاب من المرشحين المعتدلين يتنافسون على كلا الحزبين الرئيسين في الانتخابات المقبلة، والذين سيحسنون مستوى البرلمان حتى عندما أصبح بقيتنا متشائمين.
كما أن لدى بريطانيا أول رئيس وزراء آسيوي -وهويته العرقية ببساطة ليست مشكلة. في معظم البلدان، سيكون ذلك مدهشا. لكننا هنا لم نحتفل حتى به. لقد تغلبنا على العنصرية- وهناك بالتأكيد مزيد من العمل، الذي يتعين علينا القيام به تجاه تلك المسألة. لكن في استطلاع حديث أجرته مؤسسة بريتيش فيوتشر الفكرية، قال 80 في المائة من المشاركين من الأقليات العرقية إن بريطانيا أفضل للعيش من أمريكا أو ألمانيا أو فرنسا بالنسبة إلى الأقليات. وغالبا ما يركز النقاش حول الهجرة على مزايا الرعاية الاجتماعية، لكن العامل الأكبر من ذلك هو الرغبة في جعل البلد نابضا بالحياة والتسامح.
لا يمكننا التهرب من حقيقة وضعنا. لكن يمكننا أن نروي القصص الإيجابية وكذلك السلبية، حيث تم توزيع لقاح أوكسفورد آسترا زينيكا المضاد لكوفيد بسعر التكلفة على البلدان النامية. وقد اكتشفت تجربة أوكسفورد ريكوفري السريرية أربعة علاجات، بما في ذلك الديكساميثازون، الذي أنقذ ملايين الأرواح. تعد بريطانيا قوة عظمى في مجال الخدمات، كما أنها تتمتع بمكانة جيدة في الصناعات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي.
ما زلنا أمة سخية. ففي غضون أيام من اندلاع الحرب في أوكرانيا، عرضت 150 ألف أسرة بريطانية إيواء اللاجئين الأوكرانيين. لكنه من النادر أن يذكر هذا الفيض من النوايا الحسنة. مع ذلك، فهو يتماشى مع روح المجتمع التي رأيناها في الإغلاق الأول لكوفيد، عندما قدم الناس تضحيات هائلة للحفاظ على سلامة بعضهم بعضا، إلى أن تسبب نظام جونسون بقلب كل شيء.
كانت دائما تشوبنا نحن البريطانيين موجة حزينة، مفضلين كيتس على وردزورث ومحتفلين بدي إتش لورانس. ذات مرة غنت فرقة بينك فلويد (في أغنية "تايم") أن "التمسك باليأس في هدوء هي الطريقة الإنجليزية". لكن أولئك الناس منا الذين يحدقون في الظلام يجب أن يذكروا أنفسنا بأننا أيضا أمة المغني إلتون جون الذي غنى قائلا "ما زلت واقفا" في مهرجان جلاستونبري.
إذا هزمت إنجلترا في مباريات الكريكيت التجريبية مع أستراليا، فلن يستطيع أحد أن يقول إنهم لم يحاولوا، إذ قال ستوكس ذات مرة: "لا تستسلم أبدا. لن ينتهي الأمر أبدا حتى ينتهي برمته". بعبارة أخرى، كل الأسباب الجيدة للفوز موجودة ويجب ألا نستسلم بعد.

الأكثر قراءة