الفائدة المرتفعة تعيد إشعال الصراع بين الأجيال
من المفترض أن اقتصاد المملكة المتحدة يخوض "أزمة تكلفة المعيشة"، ومع ذلك لا يزال الطلب الاستهلاكي مرنا بما يكفي لدرجة أن البنك المركزي رفع أسعار الفائدة حتى الآن 13 مرة على التوالي في محاولة للحد من التضخم المرتفع جدا.
المسألة ليست كما لو أن لا أحد يشعر بالمعاناة. ارتفع استخدام بنوك الطعام. وبدأ أصحاب المتاجر بوضع أجهزة الحماية من السرقة على منتجات مثل شرائح اللحم والزبدة والجبن وسط أعلى مستويات للسرقة منذ عقد. لكن يبدو أن كثيرا من الناس ما زالوا مستعدين وقادرين على الاستمرار في إنفاق الأموال على البضائع والخدمات على الرغم من التضخم المرتفع وتشديد السياسة النقدية. فيما أظهرت البيانات الرسمية الأسبوع ما قبل الماضي زيادات كبيرة في أسعار تذاكر الطيران وتكاليف العطلات وحفلات الموسيقى الحية، في حين ارتفعت مبيعات التجزئة 0.3 في المائة بين نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، ما أربك توقعات الاقتصاديين بانخفاض قدره 0.2 في المائة. ما الذي يجري؟
تقدم سوق الإسكان بعض الإشارات على ذلك. إحدى أكثر الطرق المباشرة التي تؤثر بها السياسة النقدية في الطلب هي من خلال أسعار الفائدة التي يدفعها الناس على رهونهم العقارية. لكن على عكس ما جرى أواخر الثمانينيات، عندما كان نحو 40 في المائة من جميع الأسر في إنجلترا تملك رهونا عقارية، كانت النسبة 30 في المائة فقط بحلول 2021 /2022.
في الوقت نفسه، ارتفع عدد الأشخاص الذين يمتلكون منازلهم ملكية مطلقة ارتفاعا حادا مع انتقال جيل طفرة المواليد للتقاعد، من تقريبا 26 في المائة في أواخر الثمانينيات إلى 35 في المائة بحلول 2021 /2022. وفي كل منطقة من مناطق إنجلترا وويلز باستثناء لندن، فإن عدد المنازل المملوكة ملكية مطلقة الآن أصبح أكبر من عدد المنازل المملوكة تحت أي نوع آخر من أنواع الحيازة "مثل المؤجرة أو المملوكة برهن عقاري".
هذا الأمر يتسبب في مشكلتين. الأولى، ضعف قوة السياسة النقدية في تهدئة الاقتصاد إلى حد ما "وما يزيد من ذلك هو حقيقة أن عددا أكبر من الناس اليوم يملكون رهونا عقارية ذات سعر فائدة ثابت أكثر من الرهون العقارية ذات سعر الفائدة المتغير، وهو ما يبطئ كيفية انتشار آثار أسعار الفائدة المرتفعة على مختلف مناحي الاقتصاد". بطبيعة الحال، يمكن للسياسة النقدية المشددة أن تعمل بطرق أخرى أيضا، من خلال العملة مثلا، وثني الشركات عن الاستثمار والتوظيف.
لكن هذا يقودنا إلى المشكلة الثانية - وهي أن الناس قد يبدأون في رؤية دورة التشديد النقدي هذه على أنها غير متكافئة وغير عادلة. إن ألم الارتفاع الشديد في أسعار الفائدة على الرهون العقارية يقع على عاتق عدد أقل من الناس هذه المرة - وحاملي الرهون العقارية هم من الطبقة العاملة بأغلبية ساحقة، ما يعني أنهم أكثر عرضة لأي تراجع يتسبب فيه بنك إنجلترا في سوق العمل أيضا. في المقابل، فإن ثلثي الأشخاص الذين يملكون منازلهم ملكية مطلقة متقاعدون.
من السهل أن نرى كيف يمكن لهذا أن يشعل مشاعر الاستياء بين الأجيال. في العقد الذي اتسم بالسياسة النقدية الفضفاضة للغاية، خسر الشباب فيه لأن أسعار المساكن أصبحت بعيدة المنال، بينما حققت مستويات عالية من الثروة لأصحاب المنازل الأكبر سنا. في هذه الحقبة الجديدة التي تشهد ارتفاعا حادا في أسعار الفائدة، قد يشعر العاملون الأصغر سنا ممن لديهم رهون عقارية أنهم يتجرعون الألم مرة أخرى نيابة عن المجتمع كله.
هذه الشكوى ليست عادلة إلى حد ما - لكنها ليست كذلك تماما. هي غير عادلة لأنها تتجاهل الواقع المعاكس، إذ من المحتمل أن العقد الذي أعقب الركود الكبير بين 2008 و2009 كان سيصبح أسوأ بالنسبة إلى فرص عمل الشباب دون سياسة نقدية داعمة. كما أن كثيرا من الأكبر سنا عانوا انخفاض معدلات معاشات التقاعد خلال فترة انخفاض أسعار الفائدة.
الأشخاص الذين يملكون منازلهم ملكية مطلقة لا يتناسبون جميعا مع الصورة النمطية والوضع المالي المريح لجيل طفرة المواليد ذوي المعاشات التقاعدية الوفيرة. تشير البيانات المأخوذة من مسح الإسكان الإنجليزي إلى أن توزيع الدخل بين مالكي المنازل ملكية مطلقة مشابه تماما لتوزيعه بين المستأجرين من القطاع الخاص، في حين أن حاملي الرهن العقاري لديهم تدفق مالي أكثر. أما في الوقت الراهن، فالشباب الذين لا يملكون المنازل حتى الآن قد يستفيدون إذا انخفضت أسعار المساكن كثيرا "مع أنهم الآن يعانون ارتفاع الإيجارات".
مع ذلك، هناك شيء من الحقيقة في الشكوى، خاصة بالنسبة إلى مجموعة من الناس - وهم الآن في منتصف الثلاثينيات من العمر- الذين ربما عانوا مرتين بسبب السياسة النقدية على مدار العقد الماضي. قد يكون بعضهم قد شهد أسعار المساكن تفلت منهم في العشرينيات من عمرهم، ثم بذلوا جهدا وتضحيات كبيرة في سبيل الشراء برهن عقاري كبير في وقت قريب إلى حد ما. وفقا لمعهد الدراسات المالية، من المتوقع أن ينخفض الدخل المتاح للأشخاص الذين لديهم رهون عقارية 8.3 في المائة، ومن المرجح أن يتأثر الذين تراوح أعمارهم بين 30 و39 عاما بشكل أكبر مع انخفاض 11 في المائة في الدخل.
نظرا إلى الحاجة لخفض التضخم، لن يكون من الحكمة أن تساعدهم الحكومة بتقديم الإعانات. لكن بوسعها، بل ينبغي لها، أن تنظر في كيفية استخدام النظام الضريبي لتوزيع الآلام الناتجة عن تخفيف وتيرة النمو الاقتصادي على نطاق أوسع. وإلا فقد يستنتج الجيل أن السياسة النقدية تتلخص فقط فيما يلي: في كلتا الحالتين ستكون النتيجة غير مرغوبة.