رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تضخم الأسعار ومصروفات المستهلكين

بحسب تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن معظم أعضاء المجلس يتفقون على ضرورة رفع مستويات الفائدة مرة أو مرتين قبل نهاية 2023، والسبب في ذلك عدم تجاوب التضخم، كما ينبغي ولا كما هو متوقع، وبذلك يصر "باول" ورفاقه على أن لا تهاون في وجه وتيرة تصاعد الأسعار إلى أن تعود إلى المعدلات المطلوبة عند 2 في المائة.
آخر البيانات الاقتصادية الصادرة أمس أشارت إلى تراجع في أحد أبرز مؤشرات التضخم بانخفاض من 4.4 إلى 3.8 في المائة لشهر أيار (مايو) الماضي، وهي نتيجة مشجعة تحركت معها أسعار الأسهم على أساس أنها قد تكون النهاية لمسلسل رفع معدلات الفائدة، إلا أن بيانات أخرى متعلقة بالنمو الاقتصادي ومدى استمرارية انخفاض أسعار النفط والطاقة تشير إلى عدم اليقين بشأن نسب التضخم المقبلة.
الواقع أن وتيرة تضخم الأسعار مستمرة أكثر من المتوقع، فبعد مرور نحو عام وثلاثة أشهر على بداية مكافحة التضخم لا تزال الأسعار تنمو 4 في المائة على أساس سنوي، ورغم أن ذلك أقل بكثير من الارتفاع المتحقق قبل عام عند 9.1 في المائة، إلا أن بوادر تراجع الأسعار في الفترة المقبلة ليست مشجعة، كما يتبين من نمو أسعار التجزئة 1.6 في المائة عن العام الماضي، التي على أساس شهري جاءت مرتفعة 0.3 في المائة عن الشهر الماضي، بينما كانت التوقعات أن تتراجع أسعار التجزئة 0.2 في المائة.
اتجهت الأعين هذا الأسبوع نحو جملة من البيانات الاقتصادية التي قد تؤثر في قرارات الفيدرالي تجاه رفع معدلات الفائدة، ومن أهمها مؤشر المصروفات الشخصية للمستهلكين الذي يبين حجم إنفاق المستهلكين كافة ويؤخذ كمؤشر على حجم الطلب في الاقتصاد، الذي بالطبع يؤثر في وتيرة ارتفاع الأسعار وحجم الناتج المحلي الإجمالي. هذا المؤشر تم إعلانه أمس وأظهر تراجعا قويا من 4.4 إلى 3.8 في المائة على أساس سنوي، وتراجعا طفيفا على أساس شهري.
بينما ينظر أكثر الناس إلى مقياس تضخم الأسعار من خلال مؤشر أسعار المستهلكين، الذي تراجع الآن إلى 4 في المائة ولا يزال أعلى من المستهدف عند 2 في المائة، إلا أن الفيدرالي يهتم أكثر بمقياس المصروفات الشخصية PCE، ويعده المقياس الرئيس للتضخم. هذا المؤشر أعلى دقة من مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس تكلفة سلة محددة من المشتريات من فترة لأخرى، والسبب أن المصروفات الشخصية تشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي، وهي مصروفات حقيقية يتم رصدها بناء على حجم ما يتم صرفه فعليا على شراء السلع والخدمات من شهر لآخر.
هناك المصروفات الشخصية على السلع المعمرة وهي السلع، التي تستمر لثلاثة أعوام وأكثر، مثل السيارات والأجهزة والأثاث وهذه لها دلالاتها على مستوى التضخم وتوجهه المستقبلي. وهناك السلع غير المعمرة مثل الغذاء والشراب والملبوسات والوقود وغيرها من سلع تستخدم على المدى القصير، وتتميز بأن الإقبال عليها لا يتأثر بالسرعة ذاتها، التي تتأثر بها السلع المعمرة، وبالذات الكمالية منها. ثم هناك المصروفات الشخصية المتعلقة بالخدمات، وتشمل المسكن والمواصلات والخدمات الصحية والمالية وغيرها.
ستزداد أهمية متابعة حجم المصروفات الشخصية أو مستويات البطالة أو غيرها من المؤشرات الاقتصادية المؤثرة في الفترة المقبلة، وذلك بسبب المخاوف من استمرار وتيرة ارتفاع التضخم، وبالتالي استمرار رفع مستويات الفائدة، ولا سيما أن هناك بعض البنوك المركزية التي قامت برفع معدلات الفائدة في الأسابيع القليلة الماضية، على العكس من الفيدرالي الأمريكي. التخوف هو أن يلحق الفيدرالي بغيره من البنوك المركزية ويقوم برفع أسعار الفائدة ربما بشكل أكبر مما هو متوقع عند ربع نقطة مئوية، ولذا لمسنا تحركات مقلقة في أسعار الأسهم والسندات في الآونة الأخيرة.
عوائد السندات منذ عدة أسابيع تشير إلى ارتفاع محتمل في أسعار الفائدة، حيث ارتفع عائد السندات الحكومية لمدة عشرة أعوام من 3.3 إلى 3.8 في المائة في غضون ثمانية أسابيع، وسبب عدم ارتفاعه لأكثر من ذلك هو أن احتمالات الوقوع في ركود اقتصادي هي الأخرى تتزايد رغم إدراك الفيدرالي ذلك وتصريحاته بألا يكون رفع معدلات الفائدة بالقدر الذي قد ينتج عنه ركود اقتصادي. على العكس من ذلك يتوقع فريق من المستثمرين في أسواق السندات حدوث ركود اقتصادي يؤثر في الناتج المحلي ويرفع مستويات البطالة، وبالتالي تزايد احتمالات التوجه نحو خفض أسعار الفائدة نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، لذا يقوم هؤلاء المستثمرون بشراء السندات الحالية لضمان الحصول على عائد مرتفع، وكذلك لإمكانية تحقيق أرباح رأسمالية نتيجة ارتفاع أسعار السندات حين تنخفض أسعار الفائدة، وهذا سبب عدم ارتفاع عوائد السندات بقدر أكبر مما نراه اليوم. بيانات التضخم الأخيرة أدت إلى تراجع فوري في عوائد السندات، وذلك نتيجة ارتفاع احتمالية عدم رفع أسعار الفائدة بسبب التراجع الظاهر في نسبة التضخم، إلا أن من المبكر الجزم بتوجه التضخم في الفترة المقبلة في ظل ما قد يحدث هناك من تطورات على صعيد الاقتصاد الصيني وارتفاع أسعار النفط وغيرها، ولا سيما أن المعدل المستهدف للتضخم بعيد عن هذه المستويات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي