تبعات الجائحة تفاقم ويلات كناري وارف
لأكثر من عقدين من الزمن، كانت كندا سكوير8، ناطحة السحاب في لندن التي تضم المقر الرئيس العالمي لبنك إتش إس بي سي وتحمل شعاره، رمزا لمكانة كناري وارف كمركز مالي عالمي.
لكن قرار البنك بالتخلي عن منطقة دوكلاندز الواقعة في شرق المدينة لمصلحة موقع أكثر مركزية يعكس جاذبية المنطقة التجارية المتضائلة بالنسبة إلى شركات التمويل بعد نقلة تحويلية في عادات العمل.
قال مارك ستانسفيلد، المدير الأول في شركة كوستار لتزويد بيانات العقارات التجارية: "إنها ضربة أخرى لجزء من لندن تضرر بشدة بشكل غير متناسب منذ أن بدأت الجائحة. كثير من البنوك الكبيرة المتمركزة هنا تقوم بخفض وجود مكاتبها".
نظرا إلى أن مستقبل مستأجر بارز آخر، بنك كريدي سويس، في حالة تغير مستمر بعد شبه انهياره وإنقاذ بنك يو بي إس المنافس له هذا العام، أصبحت سمعة كناري وارف كمركز للخدمات المصرفية العالمية موضع شك.
غالبا ما عانى الحي الذي تنتشر فيه الأبراج، والذي تم تطويره في أعقاب إصلاحات مارجريت تاتشر المالية في 1986، تصور أنه خامل للغاية وبعيد عن المناطق الأكثر حيوية في لندن. والآن يتنافس مزيد من المناطق المرغوبة في العاصمة في المساحات المكتبية، حيث يتضاءل الطلب على المباني الكبيرة.
أخبر بنك إتش إس بي سي الموظفين يوم الإثنين أنه يتوقع مغادرة كناري وارف في أواخر 2026، ويفضل أن يكون الانتقال إلى بانوراما سانت بول في الحي المالي في لندن، وهو مبنى كان سابقا مكتبا لشركة الاتصالات البريطانية.
عمدت عدة بنوك أخرى، مثل باركليز، وسيتي جروب وسوسيتيه جنرال، إلى دمج عملياتها في كناري وارف، حيث أغلقت مكاتب فرعية وأجرت طوابق من الباطن.
قال ماركوس فاير-ميدج، مدير صندوق عقارات في شركة كولومبيا ثريدنيدل، إن مشكلات كناري وارف كانت جزئيا نتيجة اعتماده التاريخي المفرط على المستأجرين من البنوك. وقد انخفضت متطلبات مساحة البنوك الكبرى منذ أن تم تطوير المنطقة خلال ازدهار التداول عبر الحاسوب في الثمانينيات.
تبنت البنوك منذ ذلك الحين تكنولوجيا جديدة وشاشات أكثر انبساطا، بينما تبنى المصرفيون الذين يعملون عادة لساعات طويلة ممارسات العمل عن بعد التي أصبحت هي المعتادة خلال الجائحة. وعلى النقيض من ذلك، تعد المناطق المركزية مثل ويست إند موطنا لقطاعات أكثر تنوعا مثل التكنولوجيا، وتجارة التجزئة والأزياء.
تم توفير أكثر من مليون قدم مربع من المساحة الإضافية في السوق في منطقة دوكلاندز منذ اندلاع الجائحة، وفقا لشركة كوستار. ويقول المحللون إن سوق المساحات المكتبية في لندن انقسمت، مع وجود طلب قوي على المباني من الدرجة الأولى التي تتميز بمؤهلات مستدامة وتراجع الاهتمام بالمباني الأخرى.
قال ماثيو بوينتون، كبير الاقتصاديين في شركة كابيتال إيكونوميكس: "يقلص كثير من الشركات حجمها، لذا أصبح الحي المالي أكثر جاذبية"، مشيرا إلى أفضل روابط المواصلات في المنطقة المالية التاريخية وقربها من المؤسسات الثقافية والمطاعم. "إذا كنت تقوم بتقليص حجمك، فمن المحتمل أنك ستحصل على مساحة أعلى قيمة في الحي المالي".
ويتوقع البعض أن يؤدي رحيل بنك إتش إس بي سي إلى اندلاع موجة نزوح جماعية أوسع ستفيد قطاع العقارات في وسط لندن.
قال جيمس نيفيل، الشريك في شركة أولسوب للاستشارات العقارية، إن قرار بنك إتش إس بي سي كان بمنزلة أنباء "رائعة" للمطورين في وسط لندن. ويتوقع أن يقوم مزيد من الشركات باقتناص "الإيجارات المسبقة" بعلاوة، مع استمرار شح المعروض من المباني المركزية من الدرجة الأولى.
تتمتع منطقة دوكلاندز بواحد من أعلى معدلات المكاتب الشاغرة في لندن بنسبة 15.5 في المائة، وفقا لشركة كوستار، مقابل 3 في المائة في بعض أجزاء ويست إند ومعدل 9 في المائة في وسط لندن.
كان بنك كريدي سويس واحدا من أوائل البنوك الكبرى التي انتقلت إلى كناري وارف، حيث استحوذ على مبنى ون كابوت سكوير المكون من 21 طابقا في 1991. وخضع المبنى لعملية تجديد كلفت الكثير قبل أن يضرب كوفيد مباشرة، مع زيادة الطوابق للمسؤولين التنفيذيين.
لكن الجولات المتتالية من التخفيضات في الوظائف في البنك في الأعوام الأخيرة تعني أن كثيرا من الطوابق غير مستخدمة حاليا. فقد بدأ المسؤولون التنفيذيون في البنك بالفعل في إعادة تقييم بصمته العقارية العالمية، بما في ذلك كابوت سكوير، قبل أن ينقذه منافسه بنك يو بي إس. ومن المتوقع أن تؤدي عملية الاستحواذ، التي اكتملت هذا الشهر، إلى خفض آلاف الوظائف في لندن، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار على مستقبله في كناري وارف.
المقرض الفرنسي سوسيتيه جنرال هو بنك آخر استثمر بكثافة في مقره الرئيس في كناري وارف في المملكة المتحدة عندما انتقل إلى سبعة طوابق في ناطحة سحاب ون بنك ستريت المكونة من 27 طابقا في 2019، لكن البنك منذ ذلك الحين قام بتأجير جزء من المساحة استجابة لزيادة العمل من المنزل.
وقام بنك باركليز العام الماضي بنقل طاقم بنكه الاستثماري من 5 نورث كولوناد – أحد مبنيين شغلهما في كناري وارف – وعزز قوته العاملة في ون تشرشل بليس، ناطحة السحاب المكونة من 32 طابقا التي تم افتتاحها في 2005.
كما أن بنك سيتي جروب بصدد جمع جميع موظفي كناري وارف البالغ عددهم 10،500 موظف تحت سقف واحد. واشترى بنك وول ستريت البرج الذي يبلغ ارتفاعه 200 متر والمكون من 42 طابقا في 25 كندا سكوير مقابل 1.2 مليار جنيه استرليني في 2019 كجزء من استراتيجية عالمية لامتلاك، وليس تأجير، مباني المكاتب الرئيسة لتوفير التكاليف.
تعني سياسة العمل الهجين العالمية للبنك – حيث يمكن للموظفين العمل لمدة تصل إلى يومين من المنزل – أنه لن يحتاج بعد الآن إلى مكتبيه الآخرين في كناري وارف بعد اكتمال التجديد، الذي من المتوقع أن يحدث في 2025.
كان ينظر إلى استثمار بنك سيتي جروب في تجديد مبنى 25 كندا سكوير على أنه تأييد للمنطقة، كما كان قرار بنك مورجان ستانلي بالالتزام بمكتبه بعد أن بحث عن مكاتب بديلة محتملة خلال العامين الماضيين.
وفي إشارة أخرى على دعم دوكلاندز، نقل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير الموظفين في سكوير مايل إلى الطوابق الـ13 الأولى التي استأجرها في شارع فايف بنك ستريت المكون من 26 طابقا.
خفضت وكالة التصنيف موديز ديون شركة كناري وارف إنفستمنت هولدنجز في أيار (مايو)، مشيرة إلى "صعوبة بيئة التشغيل والتمويل للشركات العقارية". كما أشار تقريرها أيضا إلى ديون كناري وارف البالغة 1.4 مليار جنيه استرليني التي يجب إعادة تمويلها في عامي 2024 و2025 كعامل مساهم في خفض التصنيف الائتماني.
من المقرر أن تنتقل كليفورد تشانس، وهي آخر شركة محاماة كبرى في كناري وارف، في 2028 إلى مكتب "خال من الكربون" في مدينة لندن في ألدرمانبيري سكوير، إلى الشمال الشرقي من كاتدرائية سانت بول، يقل عن نصف حجم مكتبها الحالي.
قال كل من شركة كليفورد تشانس وبنك إتش إس بي سي إن الاستدامة كانت عامل جذب قوي في قرارهما بالانتقال إلى المباني الجديدة، بينما يقول المحللون إن الشركات تتطلع إلى الاستفادة من انتهاء عقود إيجاراتها للعثور على المباني الأكثر كفاءة من حيث الطاقة التي يمكن أن تساعدها على الوفاء بالتزامات صافي الصفر.
قال فاير-مودج: "لقد تم بناء كثير من أبراج كناري وارف قبل 15 إلى 20 عاما. تتم صيانتها جيدا لكن هناك بالطبع طرقا جديدة للتدفئة والتبريد لم تكن مستخدمة في ذلك الوقت".
تعرضت كناري وارف أخيرا أيضا إلى إفلاس كبير بعد انهيار مبنى 5 تشرشل بليس المكون من 12 طابقا والمملوك لشركة تطوير العقارات الصينية تشيونج كي جروب الذي كان في السابق مقرا لبنك بير ستيرنز، ووضع تحت الإدارة الشهر الماضي.
تم شراء شركة كناري وارف جروب في 2015 من قبل شركة الأسهم الخاصة الكندية بروكفيلد وجهاز قطر للاستثمار في صفقة بقيمة 2.6 مليار جنيه استرليني، وسعت إلى تقليل اعتمادها على مستأجري الخدمات المالية المندرجين تحت ملكيتهما.
التزمت المجموعة ببناء ما تزعم أنه سيكون "أكبر حرم لعلوم الحياة في أوروبا" في الملكية، بعد اجتذاب المستأجرين مثل جينومكس إنجلند، وبارتس هيلث إن إتش إس ترست والشركات الناشئة في هذا القطاع. كما افتتحت مختبرا لعلوم الحياة بمساحة 40 ألف قدم مربعة.
كما نما العرض السكني للمنطقة في الأعوام الأخيرة، حيث يعيش الآن أكثر من 3،500 شخص في العقار، مقارنة بعدم وجود أي عقار قبل ثلاثة أعوام. تعمل الشركة على تطوير مخطط إسكان ميسور للأشخاص الذين يكسبون أقل من 60 ألف جنيه استرليني سنويا، إضافة إلى بنية تحتية بما في ذلك مدرسة لخدمة المجتمع السكني.
في نهاية 2022، كان 54 في المائة من مستأجري العقار مرتبطين بالبنوك، وفقا لتقرير كناري وارف السنوي. وذكر التقرير: "كانت هناك خطوات لا تزال تتخذ لتخفيف أو تجنب العواقب المادية لهذا التركز".
لكن نظرا إلى هيمنة الصناعة على المنطقة، فإن التحول إلى مزيج إشغال مختلف تماما سيكون أمرا صعبا.
قال نيفيل: "ما سيحدث لكاناري وارف هو الحديث الذي يدور على لسان الجميع. هناك طرق أخرى (غير المساحات المكتبية) يتعين عليها النظر فيها لكن مع الحجم الهائل للمساحة التي ستشكل تحديا".