البحث عن النجاح أم تفادي الفشل؟

ستجد كما هائلا من النصائح والإرشادات والأدوات التي تركز على أحد الجانبين: وسائل البحث عن النجاح أو طرق تفادي الوقوع في الفشل. قد يظن أحدهم أن الهدف واحد والنتيجة واحدة، وهذا غير دقيق. تحدثنا في المقالات السابقة عن قضية الفشل لدى الشركات، ابتداء من تلك التي تفشل وهي في ظروف ممتازة إلى دور القادة والأفراد وإدارة الأخطار وأثر انتشار عدوى الفشل في نتيجة الأداء والتعلم من الفشل. وجود كم هائل من النصائح التي تدعو إلى النجاح أو ما نسميه "استراتيجيات النجاح" في مقابل كم آخر لا يستهان به يدور حول "تفادي الفشل" يجعلنا نتساءل عن جدوى الاستفادة من هذه الأدبيات، وكيفية الاستفادة منها. لا بد من وجود نقطة توازن منطقية تتحقق بها الفائدة وترتفع احتمالية تحقيق الإنجاز بها. والسؤال الذي يطرح نفسه، أيهما مقدم على الآخر، البحث عن النجاح أم تفادي الفشل؟
في الأساس، تأتي دوما مسألة البحث عن النجاح كنقطة البداية، وبغض النظر عن التعريف الذي نضعه للنجاح الذي يعتمد في نهاية الأمر على رغباتنا أفرادا أو منظومات، إلا أن مسألة تحقيق النجاح واسعة ولها طرق مختلفة وتشترك في أساسيات محددة يمكن لكثير من السلوكيات المتنوعة أن تنبثق عنها. والبحث عن النجاح يعني توسيع زاوية الفرجة والتحرك، البحث عن النجاح يعني الانطلاق في سماءات الفرص والإبداع. البحث عن النجاح يقوم على التجارب السابقة والحكمة المتولدة عنها لكنه لا ينحصر عليها. وعلى الجانب الآخر تمثل مدرسة تفادي الفشل خطا أكثر محدودية يمثل طرقا معينة نعرف أنها لن تقود إلى تحقيق النتائج الإيجابية. لذا في هذه الأدبيات هناك حصر للخيارات والبدائل، وتفنيد لصور محددة من السيناريوهات أو الوقائع، خلاصتها: احذر من (أ) إذا حصل، لأن الخبرة المكتسبة تقول إن حصول الأمر (أ) يعني وقوع (ب) كذلك.
تركز استراتيجيات النجاح على توصيف سلوكيات محددة يدعى فيها بأنها تقود إلى النجاح. للمنظمات على سبيل المثال ستجدها تتحدث عن بناء الاستراتيجيات وأساليب القيادة وأفضل الممارسات. وفي هذا الأسلوب تركيز لا يستهان به على الجانب الإرشادي المحفز وتقوم على فرضية تقول: "إذا فعلها غيرك فأنت قادر على القيام بها" وفرضية أخرى تقول: "نجاح الغير قابل للتكرار". دون شك، هذه الفرضيات ليست صحيحة دائما وهي قائمة على المواقف والظروف الذي نسعى فيها خلف النجاح.
في المقابل، تركز أدبيات تفادي الفشل على العوامل أو المسببات التي تقود إلى الفشل. هي في العادة تقوم بشرح معادلة على شكل قصة. قامت إدارة الشركة المعروفة بعمل كذا وكذا، ما أدى إلى نتيجة بائسة تصنع المعاناة والخسائر. دائما تكون نغمة أحاديث تفادي الفشل تحذيرية وتخويفية وليست مشجعة وملهمة. من أفضل ما يصف المبالغة هنا التحيز للفشل الذي يقصد به الترويج للفشل كحجر أساس ضروري للنجاح وهذا في أرض الواقع غير دقيق. تشير الدراسات بالسهولة النسبية التي يجدها رواد الأعمال الذين يملكون تجارب فاشلة للحصول على التمويل، مع أن الأبحاث تجد تفاوتا في ربط الخبرة القائمة على الفشل مع النجاح. هناك من يجد تجارب الفشل عاملا مساعدا لتحقيق النجاح، وهناك من الدراسات ما يجعل النجاحات السابقة عاملا أقوى للتنبؤ بالنجاح.
أهم ما يصنع القيمة لأدبيات تفادي الفشل هو فكرة عدم إعادة ابتكار العجلة. من المعيب أن يجتهد أحدهم خلف النجاح ويقع في مطبات بسيطة وقع فيها الآخرون من قبله خصوصا في ظل المخزون البشري الرهيب لحوادث الفشل وكيفية التعلم منها، وبالمبدأ نفسه تأتي أهمية التعلم من الفشل الذاتي كذلك. لكن هذه القيمة ليست أهم من قيمة الاندفاع خلف التقدم والنجاح. لذا تأتي استراتيجيات النجاح مقدمة على أساليب تفادي الفشل، وهذا لا يعني أن نقلل من قيمة الأخيرة.
المبالغة في تفعيل استراتيجيات النجاح قد يصنع الحماس الزائد، وقد يجعل المعني بالأمر يبتعد عن الواقعية ويغوص في الحلم، وقد يجعل الإبداع غير محدد الرسالة والمبدأ والأسلوب، ما يعني هدرا في الموارد وتعطيلا لا يحقق النتائج. بينما المبالغة في تفادي الفشل يعني التخوف غير المبرر وتقديم إدارة الخطر على جسارة الأعمال ما يعني المكوث والانكماش والتقوقع. وهذا يتعارض من أبسط بديهيات الأعمال والنمو والتقدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي