رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


العملات وتداعيات الفائدة الصفرية

تشهد أسواق العملات العالمية خلال الفترة الماضية بسبب عوامل جيوسياسية وظروف متنوعة ومختلفة تباينا في مسار حركة توقعاتها نظرا لأمور تتعلق بالسياسات الاقتصادية والنقدية، وزاد غياب الاتساق في تحرك العملات، ما جعل سوق تداول العملات العالمية أكثر تقلبا وأصعب في التنبؤ بها، بالتالي فقدت قواعد المضاربة التقليدية في ظل هذه الأزمات.
وهنا نشير إلى أن مسارات العملات العالمية الرئيسة باتت تختلف بعض الشيء في الآونة الأخيرة، مع تفاوت واضح على صعيد الدولار واليورو والجنيه الاسترليني التي شهدت ارتفاعات، والين الياباني الذي يتعرض للتراجع والضغوط في المدى القصير على الأقل.
ومن هذا المشهد المضطرب، على الرغم من الضغوط التضخمية التي يتعرض لها الاقتصاد الياباني، أبقى البنك المركزي على سياسة الفائدة المنخفضة، وواصل على هذا النهج حتى بعد سلسلة من الانخفاضات التي تعرض لها الين في الأيام الماضية. ويبدو واضحا أن هذه الأخيرة باتت تشكل ضغوطا أكبر، ما دفع وزير المالية شونتيشي سوزوكي إلى التحذير من الانخفاضات السريعة في سعر صرف العملة الوطنية.
وتأتي هذه الانخفاضات متأثرة بسلسلة متصاعدة من المضاربات السريعة، رغم أن القائمين على السياسة المالية يراقبون بشدة توجهات سوق الصرف. غير أن المضاربات عادة ما تحقق أهدافها إذا ما كانت تستهدف عملة محددة ما. والعالم لا يزال يتذكر موجة المضاربات التي استهدفت الجنيه الاسترليني في 1992، الأمر الذي أدى إلى اضطرار خروج بريطانيا من آلية الصرف الأوروبية التي كانت تحدد آفاق تحرك العملات الأوروبية آنذاك، من حيث الإنفاق أو الارتفاع.
لا شك في أن الحكومة اليابانية بدأت تضع المخططات اللازمة لحماية عملتها، بما في ذلك فتح باب كل الخيارات، خصوصا بعدما ارتفع الدولار إلى أعلى مستوياته أمام الين خلال سبعة أشهر قبل أيام، بالطبع كان ذلك مدعوما بتوسع الفجوات في أسعار الفائدة الأمريكية واليابانية. فالأخيرة لا تزال تبقي نطاقها صفريا. بل إن المستوى الحقيقي بلغ دون الصفر. وتبقى مشكلة الين الياباني كامنة في سياسة الفائدة الصفرية هذه، لكن يبدو واضحا أن المشرعين ليسوا مستعجلين لرفعها في الفترة المقبلة، بل تمت الموافقة على إبقائها عند 0.1 في المائة سالبا، إلى جانب الاستمرار في برنامج شراء السندات اليابانية المحافظة على منحنى السعر العائد عليها. واللافت في المضاربات التي يتحدث عنها البعض ليست هي السبب الوحيد لوضع العملة في الوقت الراهن.
وتعلق الحكومة في طوكيو على التعافي المتوقع لاقتصاد البلاد من جراء تداعيات جائحة كورونا، في مرحلة لاحقة من هذا العام، وهذه الخطوة "فيما لو تمت" ستخفف الضغوط بكل أنواعها على العملة والأداء الاقتصادي في اليابان. والحق، أن اتجاه الاقتصاد الوطني ما زال يتحرك نحو الصعود، وهذا ما يجعل المشرعين متمسكين أكثر بالسياسة النقدية الراهنة. والمراهنة على تحسن أداء الاقتصاد تشمل بالدرجة الأولى تحريك قطاعات تأثرت بقوة من جراء كورونا، وعلى رأسها حركة السياحة والنقل، وهذا ما يدعم آمال المتفائلين بأن عودة التعافي باتت قريبة للغاية. فضلا عن سلسلة من الإجراءات الداعمة الأخرى. وعلى هذا الأساس، تأمل طوكيو أن تكون قد حققت النجاح في سياسة الفائدة الصفرية في الوقت الذي لم تستطع جميع الاقتصادات المتقدمة أن تلتزم بها في الأشهر القليلة الماضية.
لكن لا بد من الإشارة هنا، إلى أن المسألة ليست مرتبطة فقط بمستويات الفائدة المعروضة في الأسواق حاليا، بل بالسياسات الاقتصادية عموما في هذا البلد أو ذلك، مع الأخذ في الحسبان أن قيمة سوق العملات على المستوى العالمي تبلغ أكثر من 7.5 تريليون دولار يوميا. خصوصا السياسات ذات الصلة بالآثار التي تركتها جائحة كورونا، والتداعيات التي تتركها يوميا الحرب في أوكرانيا على الساحة الدولية عموما. لكن تبقى آمال الحكومة اليابانية معلقة بشدة على التعافي المتوقع في هذا العام، كي يعود اقتصادها إلى وضعية ما قبل كورونا على الأقل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي