تعزيز قدرة القطاع الخاص لزيادة التوظيف
يتوقع أن تصدر الهيئة العامة للإحصاء غدا إحصاءات سوق العمل للربع الأول 2023، التي ستتضمن المؤشرات الربعية للسوق، بدءا من أعداد العمالة المواطنة والوافدة في كل من القطاعين العام والخاص، والتفاصيل المرتبطة بتطوراتهما في كلا القطاعين، إضافة إلى الإعلان عن معدل البطالة الإجمالي، والمعدل الخاص بالقوى العاملة المواطنة، الذي كان قد تراجع إلى 8.0 في المائة بنهاية الربع الرابع 2022، ومعدل التوطين الكلي بالنسبة للوظائف في القطاع الخاص، وعلى مستوى مختلف النشاطات الاقتصادية للقطاع.
مبدئيا، حملت التطورات المتعلقة بالقطاع الخاص للربع الأول من العام الجاري، مؤشرات إيجابية وفقا لما سبق أن نشرته المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية قبل نحو شهرين من تاريخه، التي أظهرت نموا سنويا للعمالة المواطنة في القطاع الخاص بنحو 8.8 في المائة "3.6 في المائة للذكور، 17.5 في المائة للإناث"، ووصولها إلى أعلى من 2.2 مليون عامل، واستقرار معدل التوطين عند أعلى من 22.3 في المائة. وقد جاء صافي الزيادة مقارنة بـالربع الرابع 2022 على مستوى إجمالي العمالة المواطنة بنحو 39 ألف عامل، وتعد أعلى مقارنة بـصافي زيادتها للربع السابق البالغة 31.3 ألف عامل، ما يشير إلى إمكانية انخفاض معدل البطالة بين السعوديين أو على أقل تقدير المحافظة على المعدل السابق المتحقق بنهاية العام الماضي البالغ 8.0 في المائة.
جاءت تلك التطورات الإيجابية المتحققة في بيئة سوق العمل المحلية طوال أكثر من عامين سابقين، نتيجة للجهود المستمرة والدؤوبة التي تضمنت تحسينات وتحديثات نوعية، تم إجراؤها على مختلف برامج التوطين السابقة والقائمة الآن، بدءا من برنامج نطاقات المطور الذي قدم مزايا عديدة لبيئة السوق المحلية، استهدفت زيادة الاستقرار التنظيمي لمنشآت القطاع الخاص، وتعزيز العلاقة الطردية بين عدد العاملين ونسب التوطين المطلوبة لكل منشأة، من خلال معادلة ترتبط بشكل متناسب مع عدد العاملين لدى المنشأة، وتبسيط تصميم البرنامج وتحسن تجربة العميل، بالاعتماد على دمج تصنيفات الأنشطة بناء على معايير محددة، تحددت في 32 نشاطا مقارنة بعددها السابق الذي كان 85 نشاطا، وبالنظر إلى المتحقق من صافي زيادة في العمالة المواطنة في القطاع الخاص، ومقارنته مع ما كان متوقعا من قبل وزارة الموارد البشرية في بداية العمل بتلك التحسينات، التي توقعت أن يسهم البرنامج بمنهجيته المحدثة في توفير أكثر من 340 ألف وظيفة خلال ثلاثة أعوام من العمل به، فقد نجحت في تجاوز الحد المستهدف بنسبة ناهزت 31 في المائة قبل نهاية المدة المحددة، وهذا بكل تأكيد يدفع للتمسك بدرجة أكبر بما تضمنته تلك المبادرات والبرامج من جهود إضافية، ويدفع أيضا إلى أهمية الاستمرار في تطويرها وتحديثها بالصورة الملائمة التي تأخذ بعين الاعتبار المستجدات المستمرة على الاقتصاد والسوق، نظرا لما تحمله تطورات الاقتصاد المحلي والعالمي من مستجدات وتحديات متتالية، إضافة إلى النمو المطرد في أعداد مخرجات التعليم العالي والفني والمهني في بلادنا العزيزة.
كما تدفع تلك المؤشرات الإيجابية لسوق العمل المحلية، التي تحققت نتيجة كثير من الجهود المبذولة على مستوى مبادرات وبرامج التوطين بالدرجة الأولى، ويؤمل أن تستمر وتترجم على استمرار تراجع معدل البطالة بين السعوديين المرتقب الإعلان عنه اليوم وفقا للموعد المحدد من قبل الهيئة العامة للإحصاء، كما يؤمل أن تتسع دائرة ممكنات القطاع الخاص بما يسهم في رفع قدرته بدرجة أكبر على مستوى إيجاد مزيد من فرص العمل المجدية والمستدامة أمام الموارد البشرية المواطنة، وهو ما سبق الحديث عنه في أكثر من مقال سابق، وفيما يتعلق بتعزيز وتحفيز منشآت القطاع الخاص بما تمثله من وزن نوعي بالغ الأهمية ضمن القطاع الإنتاجي من الاقتصاد الوطني، قطع على مستوى طريقه الطويل مسافات جيدة وطموحة، تمثل أغلبها في المبادرات والبرامج التي قادها صندوق الاستثمارات العامة، إلا أن منشآت القطاع الخاص تحديدا المتوسطة والصغيرة، بحاجة أكبر إلى مزيد من المحفزات اللازمة لضمان استقراره وتحسن هوامشه الربحية، وبما يؤهله إلى أن يبقى نافذة تنموية تستطيع توفير مزيد من فرص الاستثمار والعمل على حد سواء.
لعل من أهم تلك الدعائم اللازمة للمحافظة على استقرار تلك المنشآت بمختلف أحجامها المتوسطة والصغيرة، أن يتم إقرار تنظيم لسوق الإيجارات، يؤمل أن يوفر حماية أكبر لتلك المنشآت من مفاجآت الملاك المؤجرين لمواقعها ومقارها، التي تكاثرت وارتفعت بمعدلات قياسية خلال عام مضى، وشكلت بدورها ضغوطا مالية إضافية على كاهل منشآت القطاع الخاص عموما، وعلى المنشآت المتوسطة والصغيرة بدرجة أكبر من غيرها من المنشآت، وبالطبع ليست هذه فقط التحديات التي تواجهها تلك المنشآت، إنما تعد الأكبر خلال الفترة الراهنة، وضمن الأسباب الأولى التي أسهمت في توقف نشاط كثير من تلك المنشآت خلال الفترة الأخيرة، ما يقتضي بدوره سرعة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من مخاطر الارتفاع المفاجئ والكبير للإيجارات على تلك المنشآت، وبما يوفر حماية كافية لها من تلك المخاطر، خاصة أن وجودها وتنامي نشاطاتها يعد من أهم مستهدفات رؤية المملكة 2030، الذي سيعزز بدوره من تحقق الهدف الاستراتيجي المتعلق برفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي.