رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


القروض السكنية وأزمة الرهن العقاري

عانى الاقتصاد البريطاني حالة ركود، والأسباب متعددة منها قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أصبح يمثل التحدي الأكبر، ولذا يواجه صانعو السياسة البريطانيون صعوبة في التعامل معه خاصة في جوانب المؤشرات الاقتصادية. والأهم من ذلك، هو بسيط في الوصف ولكن يصعب حله ألا وهو الركود طويل الأجل في الإنتاجية والدخول الحقيقية. وإذا لم تستطع الحكومة البريطانية حلحلة هذه الأوضاع، خاصة فيما يتعلق بارتفاع تكاليف أزمة المعيشة الحالية التي تعد سيئة للغاية فإن الأمور ستدخل في أزمة مستمرة لا حدود لها.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأداء الاقتصادي منذ الأزمة المالية، كان سيئا إذا قورن بالمعايير التاريخية لبريطانيا أو بالمقارنة مع بقية الدول الأوروبية الأخرى، فقد انخفض متوسط الدخل الحقيقي المعيشي المتاح للأسر بين عامي 2007 و2018 بنسبة 2 في المائة في بريطانيا، بعد تعديله وفقا للقوة الشرائية.
والسؤال الكبير في السياسة الاقتصادية لبريطانيا هو كيفية إنهاء الركود ومعالجتة بطريقة مناسبة، لكن الجواب لن يكون في التخفيضات الضريبية: فالضرائب أقل مقارنة بالنظراء الأوروبيين. ولن يكون ذلك بمنزلة تحرير لاقتصاد بريطانيا غير المنتظم نسبيا، الذي يعتمد على زيادة الاستثمار وجلب الشركات إلى داخل الحدود، وأيضا على التحسينات في حوكمة الشركات وأسواق رأس المال، ما يشجع الاستثمار والابتكار واستغلال ثورة الطاقة لتسريع النمو.
ومن هذا المشهد القاتم يبدو واضحا أن النمو الذي حققه الاقتصاد البريطاني كان عابرا ولم يكن مستداما. فالضغوط على هذا الاقتصاد لم تتراجع منذ الارتفاع التاريخي للتضخم، الذي ضرب الساحة الدولية ككل، لكنه كان أكثر قوة في بعض الدول، بحسب مساراتها الاقتصادية عموما.
اقتصاد المملكة المتحدة يتعثر بالفعل، وأداؤه كان الأسوأ في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، والمؤشرات الإيجابية البسيطة السابقة تبخرت في زمن قياسي. كل هذا أجبر بنك إنجلترا المركزي على رفع جديد للفائدة من 4.5 إلى 5 في المائة، بصورة أحدثت مفاجأة في أوساط المراقبين في حي المال اللندني. كان توقعات هؤلاء تدور حول زيادة الفائدة بمعدل ربع نقطة مئوية أو حتى تجميدها، إلا أن البنك الذي تصدر قراراته بشأن تكاليف الاقتراض عبر تصويت مجلس إدارته، أوصلها إلى 5 في المائة مع ترك الباب مفتوحا لزيادات أخرى في المراجعات المقبلة.
هذا المستوى من الفائدة هو الأعلى منذ 2008، حين انفجرت الأزمة الاقتصادية العالمية، وأدت إلى إجبار البنوك على تقييد الاقتراض. الرفع الجديد للفائدة، أتى بالطبع كأداة وحيدة متوافرة لكبح جماح التضخم الذي بلغ مستويات عالية أيضا عند 8.7 في المائة، وهي الأعلى مقارنة بمستوياته في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو والولايات المتحدة. وتشدد الحكومة على أن لا مناص من الاعتماد على الفائدة المرتفعة من أجل تحقيق هدف خفض التضخم إلى معدلات مقبولة، وليس إلى المعدل الرسمي المعلن وهو 2 في المائة. فهذا الأخير هو في الواقع معدل تعتمده كل الاقتصادات الغربية، لكنه لا يزال صعب المنال على جميعها. الخطوة الأخيرة لبنك إنجلترا، عمقت الأزمة المخيفة التي تتفاقم في سوق العقارات والقروض السكنية عموما.
وهذه النقطة على خصوصا تنتج مخاوف جمة للحكومة التي تستعد العام المقبل لانتخابات عامة تشير كل الاستطلاعات إلى أن حزب المحافظين الحاكم سيخسرها بمعدلات ليست صغيرة. وهذا ما أجبر جيرمي هانت وزير الخزانة إلى الإسراع بالاجتماع مع رؤساء البنوك المحلية للوصول إلى صيغة مرنة للتعاطي مع مئات الآلاف من أصحاب القروض السكنية، المهددين بخسارة عقاراتهم نتيجة العجز المؤكد عن السداد. فقد أظهرت الأرقام، أن متوسط القروض العقارية سترتفع بقيمة 2900 جنيه استرليني، مع قيام البنوك برفع الفوائد تماشيا مع خطوة البنك المركزي. وهذا يعني عجوزات حتمية ستؤدي بالتالي إلى فقدان العقارات المرهونة للمصارف. كل ما تريده الحكومة الآن هو تأجيل البنوك ووضع يدها على العقارات، وتمكنت بالفعل في الاجتماع الأخير أن تمدد استحواذها على القروض المتعثرة لمدة عام.
لكن هذا الحل ليس مستداما. فبنك إنجلترا يعتزم رفع الفائدة في مراجعاتها المقبلة، إذا ما استمرت مؤشرات التضخم في الارتفاع، ما يعني مزيدا من البؤس الذي يلف الأداء المعيشي للبريطانيين، خصوصا أولئك المكبلين بقروض سكنية. المشكلة الأكبر هنا، أن تنفجر أزمة رهن عقاري مشابهة لتلك التي ضربت بريطانيا مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث جرد مئات الآلاف من أصحاب المساكن من عقاراتهم بعد أن وصلت الفائدة إلى مستويات تاريخية بلغت أحيانا 71 في المائة.
ومع تراجع الأداء الاقتصادي عموما، فإن المساحة التي يمكن أن تناور فيها الحكومة قبل الانتخابات المقبلة ستكون صغيرة للغاية، وهي تواجه الآن أربعة انتخابات فرعية ستكون بمنزلة مؤشر للانتخابات العامة المقبلة. المهم الآن ألا تتحول مشكلة القروض السكنية إلى أزمة رهن عقاري لن تنتهي آثارها قبل أعوام من الآن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي