رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معارك على جبهة البطاريات أيضا

الواضح أن التنافس الغربي - الصيني عموما، لن يتوقف عند حدود معينة، مع حرص بكين على تحقيق قفزات نوعية على صعيد الإنتاج الصناعي، بصرف النظر عن إخفاقاتها في الوصول إلى التكنولوجيا عالية الجودة حتى اليوم. الساحة باتت أكثر اتساعا في "المواجهات" على الإنتاج المكملة للصناعة بشكل عام، مثل الرقائق الإلكترونية "أو أشباه الموصلات"، حيث بات التنافس بين الولايات المتحدة والصين على أشده، خصوصا في ظل إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ وصوله إلى البيت الأبيض، أن هذا "الرقائق" تدخل في صلب الأمن القومي لبلاده. والأمر ذاته ينطبق على الدول الغربية المتقدمة، التي تعتقد أنها تأخرت في هذا المجال. ورغم أن الغرب حقق قفزات نوعية في هذا القطاع، إلا أنه لا يزال بعيدا عن الاكتفاء الذاتي، بالمفهوم الاستراتيجي.
مع تصاعد التحركات في الابتعاد عن الوقود الأحفوري، في سياق ما يمكن تسميته "القلق المناخي"، برزت الحاجة إلى توسيع نطاق صناعة البطاريات التي تحل شيئا فشيئا بديلا عن الوقود التقليدي المعروف. فالحكومات على الساحة الغربية توفر الآن مغريات لمن يرغبون في شراء السيارات الكهربائية، بما في ذلك الإعفاء من الضرائب وتسهيل وصول هذا النوع من السيارات إلى عمق المدن دون دفع تكاليف إضافية تعرف برسوم الازدحام. ومع ارتفاع وتيرة صناعة السيارات التي تعمل بالبطاريات، زاد الطلب على هذه الأخيرة. فهناك شركات تصنيع سيارات أوقفت قبل أعوام خطوط إنتاج تلك التي تعمل بالوقود التقليدي. أي أن المسار نحو الكهرباء يتسع ويزداد زخمه كل يوم.
في الأعوام القليلة الماضية تقدمت الصين على صعيد صناعة البطاريات بقوة، حتى إنها احتلت مكان كوريا الجنوبية، التي هيمنت على هذه الصناعة أعواما عديدة. ويبدو واضحا أن الجهات الصينية أولت هذا الأمر أهمية كبيرة من منطلق استراتيجي، ولذلك ضخت مليارات الدولارات في هذه الصناعة، كي تحافظ على مكانتها الإنتاجية، وبالتالي التحكم بصورة أو بأخرى في سوق تتسع وبسرعة شديدة. ظلت بكين وسيئول في المقدمة، بينما تسعى الشركات في الدول الغربية إلى تغيير المشهد في أقرب وقت ممكن. الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى رفع مستوى الاستثمارات في صناعة البطاريات بشدة في الآونة الأخيرة، حتى إنه "بحسب المفوضية الأوروبية" تجاوز الصين في وتيرة الاستثمارات. وهذه النقطة تعد مهمة للغاية في السباق للاستحواذ على الحصة الكبرى من السوق العالمية، والأهم الوصول إلى تصنيع أسرع وأقل تكلفة لمادة الليثيوم المحورية في تصنيع البطاريات عموما. ما تم استثماره في القارة الأوروبية في هذا الميدان زاد ثلاث مرات ونصف المرة على الصين، بعد أن نجحت الشركات في جلب 180 مليار يورو من الأسهم الخاصة. والمسألة لا تتعلق فقط بالتنافس مع بكين في هذا المجال، بل ترتبط أيضا بمخططات للاتحاد الأوروبي بإنشاء نحو 30 مصنعا كبيرا لإنتاج السيارات الكهربائية. المثير في الأمر أن الأوروبيين توصلوا إلى تقنية تنتج الليثيوم المطلوب بسرعة وبجودة عالية وبأقل التكاليف. وهذا يعني أن مسار البطاريات على الساحة الأوروبية عموما، يمضي متماشيا مع مسار التحول نحو المركبات الكهربائية. لكن الصينيين ماضون هم أيضا في تدعيم هذه الصناعة، ولا سيما في ظل اهتمام بالغ من الجهات الحكومية التي توفر الدعم الاستثماري لهذا القطاع الاستراتيجي.
على الساحة الأمريكية تمضي الأمور بسرعة أيضا. فوفق التقديرات المعلنة فإن حجم سوق البطاريات في أمريكا الشمالية بلغ في عام 2020 نحو 22.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 54 مليار دولار بحلول عام 2027. غير أن وتيرة صناعة السيارات الكهربائية لا شك أنها سترفع من حجم هذه السوق حتى قبل حلول العام المشار إليه. فبسبب جائحة كورونا انخفض نمو سوق البطاريات بصورة كبيرة في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان المستهلكة والمصنعة لها. فهذه السوق لا تشمل فقط بطاريات السيارات بل كل ما يستخدم في الإلكترونيات وأجهزة الطاقة الشمسية وغير ذلك. وإذا كانت الصين تتمتع بامتلاك مواد أولية في هذه الصناعة، إلا أن الاختراقات التقنية الأخيرة على الساحة الغربية ستقلل من الاعتماد على المواد الآتية من البر الصيني.
قطاع تصنيع البطاريات يتمدد ولن يتوقف عند حدود معينة في ظل المتغيرات الراهنة على الساحة العالمية ككل. فقد أظهرت دراسة حديثة نشرت مطلع العام الجاري، أن التوسع في هذه الصناعة سيؤدي إلى توليد أكثر من 400 مليار دولار من عائدات سلسلة القيمة بحلول عام 2030. ويعتقد أن الصناعة ستسهم في توفير 18 مليون وظيفة، فضلا عن تجنب ما قدرته الدراسة بـ70 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون الناتج من انبعاثات النقل البري التراكمية. ومع هذا التمدد، فإن المعارك ستحتدم بين الطرفين الرئيسين الصين من جهة والغرب من الجهة الأخرى. وكما هو "الصراع" حول الرقائق الإلكترونية، سيكون هناك صراع متنام في إنتاج "وقود" المستقبل "البطاريات"، كما يحب أنصار البيئة وصفها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي