رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحج بإمكانات ذكية وبيانات كبيرة

أصبح الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة أو الكبيرة، وراء الابتكارات الأكثر تأثيرا في الإنسانية اليوم، وإذا أضفنا إلى ذلك مفهوم تعلم الآلة وإنترنت الأشياء، فإننا نعيش اليوم في عالم مذهل ومتطور في الوقت نفسه، ومع ذلك، فإن الأمم اليوم تتفاوت فيما بينها بشأن هذه التقنيات الحديثة إلى ثلاثة أصناف، فمنهم من لا يزال بعيدا عن الاستخدام الأمثل لهذه التقنيات، ومنهم من يستخدمها بشكل تجاري بحت حتى لو كان في ذلك تهديد للإنسانية والأخلاق، ومنهم من يستخدم هذه التقنيات، فيما ينفع البشر ويسهم في حل المشكلات الصعبة، والفرق بين الفئة الأولى وغيرها يكمن في الجرأة اللازمة لتوفير الموارد من أجل التفوق في هذه التقنيات، ذلك أنها تعمل بشكل منفصل والاستفادة منها في قطاعات معينة تتطلب توفير موارد قياسية، بينما يكمن الفرق بين الفئتين الثانية والثالثة في القيم الأساسية، التي من أجلها تم تسخير هذه التقنيات.
الذكاء الاصطناعي تقنية تعمل بما يشبه الذكاء البشري، من حيث التنبؤ بالأحداث والظواهر واتخاذ القرارات والتصرف، فهو اليوم قادر على دعم القيادة الذاتية للمركبات المستقلة، وتشغيل الروبوتات الطبية، ويكتشف المواقف تلقائيا ويتخذ القرارات بالمعرفة التي اكتسبها من مجموعات البيانات المتعددة. بينما تعد البيانات الكبيرة كميات هائلة من البيانات (النصوص والصوت والصور)، التي يمكن تحليلها عمليا تحليلا استراتيجيا يمكننا من استخراج أنماط تسهم في التنبؤ بالمستقبل. وفي وقت قد يمكن معه فهم هذه الأنماط من خلال الإنسان نفسه واتخاذ قرارات بناء على ذلك، لكن في الأغلب ما تتصف قرارات الإنسان بالعاطفية أو البطء، بينما الظواهر تتسم بالديناميكية والتغير المستمر، ولذلك فإن الجمع بين البيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي يصنع الفرق تماما، ويتم ذلك عادة من خلال استخدام الخوارزمية، التي تقوم بتدريب الحاسب الآلي على فهم الأنماط، وبناء المعرفة، وبالتالي اتخاذ القرارات وتوجيه الأشياء والآلات الأخرى من حوله لأداء الوظائف بذكاء وبسرعة ودونما تدخل بشري.
تنظيم وإدارة تحركات الحجاج والمعتمرين يعد من أهم التحديات، التي تواجه الدولة، ذلك أن إدارة حشود بهذه الكثافة العددية ليست بالمسألة العادية أو السهلة، خاصة إذا كانت هذه الحشود تتجمع بالملايين في منطقة واحدة وتتحرك ككتلة، وليست موزعة بين مناطق أو مدن مختلفة، فحركة الحجاج في المشاعر المقدسة حركة منتظمة ذات مواعيد دقيقة، يسير الحجاج فيها ككتلة واحدة. ومع تنوع اللغات والثقافات، فإن حدوث ما يربك هذه المسيرات يعد أمرا عالي الاحتمال، ويتطلب قرارات رشيدة مبنية على معلومات دقيقة ورؤية صحيحة للحالة الراهنة.
كما أن من بين الملايين من الحجاج، الذين يسيرون في اتجاه واحد ككتلة بشرية ضخمة هناك العاجز الذي يحتاج إلى الدعم، والمريض الذي يتطلب عناية، والطفل الذي يحتاج إلى رعاية، ويصعب على مقدمي الخدمات الوصول إلى هؤلاء الأفراد وإنقاذهم أو دعمهم بما يجب في الوقت المناسب وسط هذه الكتل من البشر دونما جهد كبير وتنسيق جبار، ومع ذلك اكتسبت المملكة خبرات واسعة، استحقت من خلال كل ما سخرته من إمكانات وموارد ضخمة أن تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين وأن تنال شهادة العالم بنجاحها كل عام.
ورغم هذه الخبرات والإمكانات تسعى رؤية السعودية 2030 إلى تقديم خدمات استثنائية، من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة في تنظيم وإدارة سلوك الحجاج والمعتمرين، خاصة مع توافر شبكة واسعة من الاتصالات والإنترنت بجودة عالية، وهذا يأتي في إطار ما يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومتابعة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" بأهمية توفير كل الوسائل، التي تعين على الاستفادة من التقنيات المتقدمة في مجالي البيانات والذكاء الاصطناعي وتحفيز نموهما، خدمة للبشرية، وقد جاء ذلك في تصريح رئيس الهيئة إبان جهودها في خدمة الحجاج لتحقيق التمكين الرقمي للجهات الحكومية العاملة في الحج وتوفير الدعم التقني المتقدم لها لمساعدتها على تنفيذ مهامها بدءا من إجراءات سفر الحجاج من مختلف دول العالم عبر مبادرة طريق مكة ومرورا بالخدمات المقدمة لهم خلال وصولهم إلى المنافذ الجوية والبحرية والبرية حتى يصلوا إلى مكة المكرمة، ويستمر العمل كذلك أثناء تأديتهم مناسك الحج في المشاعر المقدسة عبر خدمات لوجستية تعمل على خدمة ضيوف الرحمن وتيسير رحلة الحج عليهم دعما لمستهدفات برنامج خدمة الحجاج أحد برامج الرؤية.
من الجدير بالذكر هنا أن "سدايا" تسعى إلى تسخير تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي عبر منتج "بنان" وهو عبارة عن جهاز متنقل يهدف إلى إتاحة خدمات التعرف والتحقق من هويات الأفراد عبر سماتهم الحيوية للجهات العاملة، لتمكين أتمتة إجراءات إدارة عمليات التحقق من هويات الحشود في المواقع المختلفة لتعزيز تجربة ميسرة وآمنة لضيوف الرحمن، كما أن هذا المنتج يسهم في الاستعلام والتحقق من سجلات السفر والحج، وصلاحية التصاريح. هذه التقنيات تدعم الجهات العاملة في الميدان لاتخاذ قرارات مناسبة في الوقت المحدد والمطلوب وتربط القطاعات العاملة كافة، سواء شركات الطوافة أو القطاعات الأمنية والصحية، ما يساعد على معالجة الحالة الطارئة في وقتها الصحيح، ويمكن الحجاج من إتمام حجهم بأمان واطمئنان.
والخلاصة، إن المملكة تعد من الدول المتقدمة التي عملت على الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة من أجل خدمة البشرية، كما أنها استثمارات تتصف بالاستدامة، فالمملكة تسعى اليوم إلى استضافة أكثر من 30 مليون حاج ومعتمر خلال العام، وهذا يتطلب جهدا مستمرا من التطوير والابتكار، وهو ما تعمل عليه دوما، وكل عام يشهد موسم الحج دخول تقنيات جديدة، وتطويرا استراتيجيا بفضل العمل الدائم ذي الطبيعة المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي