الرياض .. الإبداع والمقومات الكبيرة
يعد برنامج جودة الحياة الذي أطلق في 2018، أحد أهم برامج رؤية السعودية 2030، ويسعى البرنامج لتحقيق عدة أهداف، من بينها تحسين المشهد الحضري في المدن السعودية، من خلال بناء وتطوير البيئة اللازمة لتعزيز أنماط الحياة الإيجابية، ومن أجل تحقيق هذا الهدف تم إنشاء هيئة فنون العمارة والتصميم التي تسعى لتعزيز التميز في قطاع فنون العمارة والتصميم ليعكس الثقافة السعودية التي ترسخت مبادئها في فنون العمارة مع إطلاق ميثاق الملك سلمان العمراني الذي تمت الموافقة عليه من مجلس الوزراء بتاريخ 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021.
هذا الميثاق يعد عنوانا للهوية العمرانية السعودية التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ تسلم مقاليد الحكم في الرياض، فتلك العمارة نتاج التجربة الإبداعية التي جاءت حصيلة تفاعل واضح لمعيشة الإنسان السعودي الواقعية وتم تطويرها نحو الأفضل، فالميثاق بمنزلة منهجية تصميم تبرز تاريخ المملكة وثقافتها من جهة، ودليل إرشادي لصناع القرار والمختصين والمهتمين بالعمارة والعمران من جهة أخرى، وحق لهذا الميثاق وهذه العمارة التي طبعت الثقافة السعودية في التصميم أن تأخذ المكانة المرموقة بين قوائم أنماط العمارة العالمية.
وطريق العمارة "السلمانية" نحو العالمية يبدأ مع بناء المواهب الوطنية، لذلك تضمن الميثاق وثيقة أطلقتها هيئة فنون العمارة والتصميم تمثل خلاصة الإبداع والابتكار والاكتشاف، المتسق مع البيئات والصروح العمرانية النموذجية التي أنشئت، كما تم إطلاق معرض يهدف إلى رفع الوعي بمنهجية الميثاق من خلال إبراز قيمه الست الأساسية، وإتاحة الفرصة للزوار باكتشاف تطبيقاته المتنوعة، حتى يتسنى لهم استشعار أثره في جودة الحياة والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، ويتنقل معرض الميثاق إلى أربع مدن مختلفة في المملكة العربية السعودية هي الرياض، والدمام، وجدة، وأبها، إضافة إلى جائزة لتشجيع المشاريع التي تبنت ميثاق الملك سلمان العمراني وقيمه، وأحدثت تأثيرا اجتماعيا هادفا، وبهذا أصبح لدينا منصة تمكن المواهب الوطنية من جعل المملكة في طليعة المشهد الإبداعي العالمي.
واستنادا إلى هذه المقومات الكبيرة والأسس المنهجية العالية الجودة وسعيا إلى العالمية في التصميم والعمارة، فقد عملت هيئة فنون العمارة والتصميم على تقديم ملف الاستضافة، لترشيح مدينة الرياض عاصمة للتصميم العالمية لعام 2026، ونتيجة للجهود الكبيرة في هذا المسار فقد أعلنت منظمة التصميم العالمية، ترشيح مدينة الرياض للقب، وذلك بعد منافسة مع عدة مدن عالمية، تأهلت منها مدينتان فقط للمرحلة النهائية من المنافسة، وستعلن نتائجها في أيلول (سبتمبر)، وهذا اللقب يمنح كل عامين، وهو عبارة عن برنامج وفعاليات تصميمية لمدة عام لعرض إنجازات المدن، التي تستفيد بشكل فاعل من التصميم لتحسين حياة مواطنيها. والهدف من ترشيح الرياض عاصمة التصميم العالمية هو بناء سمعتها الريادية، بصفتها مركزا رائدا للتصميم والإبداع والابتكار لجذب السياحة والاستثمار وعرض إنجازات المدينة على المستوى الدولي. والرياض تمتلك جاهزية كبيرة اليوم لاستقبال مثل هذا الحدث، ولديها وفقا للميثاق ولمنجزات برنامج جود الحياة وغيرها من المشاريع الضخمة، ما يدفع العالم بأسره وجميع المنتسبين إلى قطاع التصميم في العالم للاستفادة من التجربة السعودية التي أصبحت أيقونة عالمية، خاصة مع التصميمات التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء لمدينة ذا لاين، إحدى مدن مشروع نيوم، والمشاريع السياحية في العلا، ومن بينها تصميم مبنى قاعة المرايا الفريد من نوعه، ومشاريع البحر الأحمر التي تتواءم مع البيئة، جنبا إلى جنب مع التنوع العمراني الهائل في المملكة وثقافة التصميم الإبداعية، فلم تكن الرياض لتصل إلى هذه المرحلة المتقدمة لتصبح عاصمة التصميم العالمية، لو لم تكن لديها كل هذه المقومات التي تحققت مع انطلاقة رؤية السعودية 2030.
من الجدير بالذكر هنا أن منظمة التصميم العالمية قد تأسست في 1957 كمنظمة غير حكومية وأصبح لديها اليوم اعتراف عالمي واسع النطاق مع وصولها لأكثر من 180 منظمة عضوا حول العالم، ويشارك آلاف من المصممين في برامجها ومبادراتها التي تهدف إلى تعزيز وتطوير نظام التصميم لتحسين جودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ويعد برنامج عاصمة التصميم العالمية، بمنزلة تتويج للمدن الفعالة في التصميم الذي يسهم في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، حيث تعرض المدينة المعينة أفضل الممارسات في السياسة الحضرية التي يقودها التصميم المستدام والابتكار الذي يعمل على تحسين جودة الحياة. واستطاعت تسع مدن حول العالم الفوز بهذا التتويج، وستكون الرياض المدنية القادمة، بإذن الله، عاصمة التصميم العالمية في 2026.