عودة السياسة الصناعية «2 من 4»
في أوروبا الغربية، كان النمو مرتبطا بتحويل الموارد من قطاع الزراعة إلى قطاعي الصناعة والخدمات. وربما تكون السياسات التجارية التي تهدف إلى حماية قطاع الزراعة من الأسعار المنخفضة قد أدت إلى إبطاء هذا التحول في دول مثل ألمانيا.
ورغم أن الإحلال الشامل للواردات لم يعد محبذا منذ عقود، يستمر الجدل حول السياسة الصناعية حتى هذا اليوم. فنجاح تجربة دول شرق آسيا جعل السياسة الصناعية تبدو إيجابية على خلاف الواقع، لكن حتى في هذه النقطة يمكن أن يكون التاريخ مضللا. ففي عام 1960، كانت كوريا الجنوبية مثقلة بتبعات المبالغة في تقييم العملة وعدم تجاوز الصادرات 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. واعتمدت قدرة البلد على الاستيراد اعتمادا شبه كامل على المساعدات الأمريكية. وبعد أن خفضت قيمة عملتها في أوائل ومنتصف ستينيات القرن الماضي، أصبحت صادرات كوريا أكثر تنافسية وشهدت ارتفاعا حادا لتصل إلى 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في أوائل سبعينيات القرن الماضي.
وتضمنت السياسة الرئيسة تحديد سعر صرف واقعي يسمح للصادرات بالازدهار، إلى جانب خفض تكلفة الائتمان لجميع المصدرين، وليس للقطاعات المستهدفة Irwin 2021. ولم تبدأ السياسة الصناعية بالفعل حتى بدء "حملة الصناعات الثقيلة والكيميائية" في الفترة 1973 - 1979 التي تم إنهاؤها لاحقا بسبب تكاليفها الباهظة وعدم كفاءتها. لكن النمو السريع في كوريا كان قد انطلق بالفعل قبل عصر السياسة الصناعية.
وقد ظل الجدل بشأن السياسة الصناعية فترة طويلة عالقا في طريق مسدود. فالبعض يرى أنها ضرورية لنمو الإنتاجية والتحول الهيكلي، بينما يرى آخرون أنها تحرض على الفساد وتشجع على عدم الكفاءة. والبعض يشير إلى محاولة الأرجنتين المكلفة للترويج إلى تجميع الإلكترونيات في تييرا ديل فويجو، بينما يشير البعض الآخر إلى مصانع التكنولوجيا المتطورة البراقة في الصين وكوريا. ومن السهل المبالغة في الآثار. فالنماذج الكمية تشير إلى أن المكاسب التي تحققت من السياسات الصناعية المصممة على النحو الأمثل ضئيلة ومن غير المرجح أن تحدث تحولا Bartelme and others 2021.
والجديد هو أن الولايات المتحدة انضمت إلى الصين في التبني الصريح للسياسات الصناعية. وكانت الصين قد تبنت هذه السياسات على الأقل منذ أن أعاد الرئيس شي جين بينج التأكيد على سيطرة الدولة على الاقتصاد، مبتعدا عن السياسات الاقتصادية الانفتاحية التي وضعها دنج شياو بينج ومن جاءوا خلفا له.