رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لميثاق مالي أكثر إنصافا

إن التقاء نحو 40 رئيس دولة وحكومة في باريس خلال قمة من أجل "ميثاق مالي عالمي جديد" بمبادرة من رئاسة الحكومة الفرنسية يعني كثيرا للعالم، حيث تسعى القمة في النهاية إلى وضع حجر الأساس لنظام مالي عالمي جديد، يمكن الدول النامية من مواجهة تبعات تغير المناخ ومكافحة الفقر. ورفع "التمويل الخاص" لمساعدة الدول الفقيرة. ومن أبرز المشاركين في هذه القمة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي رأس وفد السعودية التي تمثل ثقلا ومكانة على صعيد الاقتصاد الدولي، وكذلك حضر ممثلون عن المؤسسات المالية العالمية ورؤساء مؤسسات وشركات من القطاع الخاص حول العالم ومنظمات من المجتمع المدني للمشاركة في تظاهرة عالمية لمحاولة إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي.
وتأتي أهمية قمة باريس من تحركات سابقة وحالية تهدف أساسا إلى تغيير النمط المالي العالمي الراهن، الذي يعتقد كثيرون أنه لم يعد صالحا بعد أكثر من سبعة عقود على اعتماده. ولم يتوقف أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة في الواقع عن المطالبة ببحث التحول نحو نظام مالي جديد، وكذلك عدد من الزعماء المؤثرين في الساحة العالمية وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق مبادرا هذه القمة المحورية. ولا شك أن التحول الذي تسعى إليه بعض الجهات المؤثرة، يضع في الحسبان نقطة مهمة تتمحور حول مواجهة تبعات تغير المناخ ومكافحة الفقر. بمعنى آخر أن تكون هناك عدالة في التعاطي مع الدول الفقيرة أو تلك التي ترزح تحت خط الفقر، في استراتيجية التحولات المالية والمناخية والاقتصادية والاجتماعية.
قمة من أجل "ميثاق مالي جديد"، تستهدف أيضا وبصورة أساسية تغيير القواعد التي قام عليها صندوق النقد والبنك الدوليان، حتى إن الأمين العام للأمم المتحدة يعتقد أن قواعد تخصيص الأموال وفق هاتين المنظمتين "ليست أخلاقية". كل هذه التحولات يبدو أنها تبرر ضرورة البحث عن صدمة مالية عامة، وأن تكون هناك مسارات واسعة للتمويل الخاص. ولا شك أن هذه التوجهات لا تختص بفترة زمنية قصيرة، بل تمتد ربما لنهاية القرن الحالي، على أساس أن قواعد "بريتون وودز" الذي أطلق المفهوم المالي العالمي الراهن في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لم تعد قابلة للتطبيق، بل فيها من الثغرات الكثير في عالم شهد ويشهد تغيرات مفصلية.
التحولات الجديدة التي ينبغي أن تكون مقبولة من الدول الأكثر تأثيرا، تتضمن كل شيء، ما يعني أن الأمر يتطلب مزيدا من الوقت، وكثيرا من الانفتاح، وعديدا من الأدوات التي يمكن أن تدفع عجلة التحول إلى الأمام. فمسألة إصلاح بنوك التنمية متعددة الأطراف، محورية لكنها تحتاج إلى قوة دفع سريعة، خصوصا في ظل تراجع مستويات التنمية في كثير من الدول الفقيرة، وتلك التي توصف بالأشد فقرا. والميثاق المالي العالمي الجديد المزمع أو الذي يتم التجهيز له، يواجه أزمة إذا ما تمكن من حلها، فإنه سيحقق قفزات نوعية، وهي تلك المرتبطة بالديون المتراكمة على كاهل الدول النامية. فهذه النقطة تعد كابحا من كوابح النمو في هذه الدول. وآثار هذه الديون ظهرت جليا في أعقاب انفجار جائحة كورونا، فضلا عن ارتفاع تكاليف خدمتها، بفعل الزيادات المتوالية لقيمة العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار.
يمكن تحقيق التحول عبر سلسلة من المبادرات المحورية، وفي مقدمتها توفير الأدوات اللازمة لدعم القطاع الخاص لإدخاله بعمق في استراتيجية التنمية المستدامة في الدول منخفضة الدخل. وهذا الأمر يمثل أساسا لمشاركة كل القوى الاقتصادية في التنمية، وفي تحقيق مكاسب مالية أيضا. هذا إلى جانب ضرورة تمويل التكنولوجيا الخضراء، التي باتت جزءا أصيلا من التنمية المنشودة في الدول النامية عموما. والتحول نحو ميثاق مالي عالمي جديد، يتطلب كثيرا من العمل والتعاون، ورؤى متطورة تحاكي الاستحقاقات المقبلة على الساحة الدولية عموما.
فالمسألة لم تعد محصورة في تقديم مساعدات أو قروض مرتفعة الفائدة لدول تسعى إلى تحقيق تنمية توازي احتياجاتها، بل بمشاركة كل الأدوات الاقتصادية والقطاعات، والأفكار التي تحقق المسار المقبل للنظام المالي العالمي، بعيدا عن النظام الذي تبع الحرب العالمية الثانية. إنه الوقت المناسب والملائم لوضع أطروحات إصلاحية واضحة المعالم تتسم بالقدر الكافي من الطموح وتمنح العالم أملا حقيقيا في المستقبل. ولذلك يجب على المشاركين في هذه القمة تسليم خطط ملموسة تتسم بالطموح الكامل لكنها أيضا واقعية وعملية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي