أحجار الدومينو تتساقط .. التخلف عن السداد يهدد مباني سان فرانسيسكو

أحجار الدومينو تتساقط .. التخلف عن السداد يهدد مباني سان فرانسيسكو

يستعد مقرضو سوق العقارات التجارية المتعثرة في سان فرانسيسكو لتخلف عن سداد ديون بمليارات الدولارات، بعد أن توقف مالكو أكبر مركز تسوق في المدينة وأكبر فندق عن سداد القروض، وأعادوا مفاتيح ما كان ذات يوم أكثر العقارات قيمة في المدينة.
الأسبوع الماضي، أعلنت شركتا ويستفيلد وبروكفيلد العقاريتان توقفهما عن سداد أقساط قرض قيمته 558 مليون دولار بضمان مركز تجاري مترامي الأطراف في وسط المدينة في سان فرانسيسكو تمتلكانه منذ 2002، وستسلمان المبنى إلى مقرضيهما.
قبل ذلك بأيام، قالت شركة بارك هوتيلز آند ريزورتس المدرجة في نيويورك "إنها تتوقع تسليم ملكية اثنين من فنادقها الرئيسة في سان فرانسيسكو -هيلتون يونيون سكوير وبارك 55- بعد أن توقفت عن سداد أقساط قرض قيمته 725 مليون دولار. تم تقييم الفندقين بأكثر من 1.5 مليار دولار عند إصدار القرض في 2016، ما يشير إلى أن مالكيها يعتقدون أن قيمتها قد انخفضت إلى أقل من النصف.
حالات التخلف عن السداد الكبيرة كانت الأحدث في عدد من إشارات تدل على ضائقة بعثها مالكو المكاتب والفنادق والمجمعات السكنية وتجار التجزئة في سان فرانسيسكو. تعاني المدينة انخفاضا حادا في السياحة والسفر من أجل العمل منذ جائحة كورونا، وتقليص عدد موظفي شركات التكنولوجيا، وهجرة السكان، والتدقيق الدولي على الجريمة وتعاطي المخدرات والتشرد.
قال توماس بالتيمور الرئيس التنفيذي لشركة بارك هوتيلز "لا يزال طريق سان فرانسيسكو إلى الانتعاش ضبابيا وطويلا بسبب التحديات الرئيسة، بما فيها المخاوف بشأن أوضاع الشوارع والطرق فيها".
كان مركز ويستفيلد التجاري نصف فارغ بعد مغادرة العلامات التجارية مثل نوردستروم، ويرجع ذلك جزئيا إلى "النشاط الإجرامي المتفشي" ولأن حركة المشاة وسط المدينة لم تتعاف بعد الجائحة. قالت مجموعة ويستفيلد "إن مبيعاتها تراجعت بحدة بين كانون الأول (ديسمبر) 2019 و2022، مقارنة بزيادة متوسطة في المبيعات عبر مراكزها التجارية الأخرى في الولايات المتحدة".
يمكن أن تؤدي حالات التخلف عن السداد إلى حملة بيع ممتلكات تجارية في المدينة بأسعار بخسة، حيث يهرع المقرضون لبيع الأصول بخصومات كبيرة لتقليل انكشافهم وحماية حاملي السندات. في كثير من الحالات، قدم كبار مقرضي العقارات التجارية في سان فرانسيسكو، بمن فيهم "جيه بي مورجان" و"دويتشه بنك" و"ويلز فارجو" و"بنك أوف أمريكا"، دينا عقاريا مشتركا في أوراق مالية تجارية مدعومة برهن عقاري. يمكن لحملة السندات أن يتضرروا وذلك لأن أسعار العقارات المنخفضة جعلت قيمة الأصول أقل من قيمة بعض القروض، وفقا لخبراء اقتصاديين.
يمكن أن تحفز إعادة التسعير تلك تأثيرا غير مباشر يصعب على مالكي العقارات إعادة تمويل ديونهم حيث أصبحت البنوك تتوخى الحذر أكثر بشأن الإقراض. عملت بعض البنوك الأمريكية على تقليل انكشافها لسوق العقارات التجارية بعد الاضطرابات الأخيرة في الصناعة المصرفية الإقليمية، والاحتمال المتوقع بأن تكون الخسائر حادة في سان فرانسيسكو خصوصا.
قال لوني هندري، رئيس العقارات التجارية في شركة تريب لتزويد البيانات "لقد وصلنا إلى نقطة انعطاف، حيث رأينا أحداثا كثيرة في الاقتصاد الأوسع تؤثر في سوق سان فرانسيسكو. لقد سقطت أحجار الدومينو أسرع بكثير في سان فرانسيسكو من سقوطها في أماكن أخرى".
في الحي المالي في سان فرانسيسكو، تغيرت ملكية بعض أبراج المكاتب في الأشهر الأخيرة مقابل ربع السعر الذي تم تسويقها به قبل ثلاثة أعوام. تخلفت شركة وي ورك عن سداد قرض قيمته 240 مليون دولار لبرجها الواقع في شارع كاليفورنيا 600 في شهر نيسان (أبريل). وفي مكان آخر وسط المدينة، توقفت شركة تويتر التي يمتلكها إيلون ماسك عن دفع الإيجار في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، ما أجبر مالكه على التخلف عن سداد قرض قيمته 400 مليون دولار.
نظرا إلى أن الوضع الاقتصادي في سان فرانسيسكو لا يزال غير مؤكد، فقد تنخفض الأسعار الجديدة أكثر. قال هندري "حتى لو كان بإمكانك شراء مبنى اليوم بسعر 50 سنتا لكل دولار مقارنة برصيد القرض، فهذا لا يعني أنه استثمار مربح. فنحن لم نر القاع بعد".
لدى بنك ويلز فارجو واحد من أكبر الانكشافات على العقارات التجارية في سان فرانسيسكو، ما يقارب 34 مليار دولار من القروض المستحقة في كاليفورنيا، وفقا للوثائق. شكلت الولاية النسبة الكبرى من إجمالي قروضه المستحقة البالغة 155 مليار دولار نهاية 2022 "لا يعلن البنك عن الأرقام حسب المدينة". تقريبا 14 مليار دولار من قروض العقارات التجارية غير المسددة لبنك أوف أمريكا، من إجمالي 73 مليار دولار، موجودة في كاليفورنيا. في بنك فيرست ريبابليك، الذي انهار في أيار (مايو) بعد تهافت مودعيه على سحب ودائعهم منه واستحوذ عليه بنك جيه بي مورجان، كان نحو 12 مليار دولار من إجمالي قروضه العقارية التجارية البالغة 35 مليار دولار في منطقة خليج سان فرانسيسكو، وفقا لسجلات 2022. أصدر "دويتشه بنك" القرض الأصلي لمركز ويستفيلد التجاري عام 2016، أما الرهن العقاري لشركة بارك هوتيلز فقد أصدره بنك ويلز فارجو وتم تأمين الأصل في البداية من "جيه بي مورجان".
أظهرت بيانات من وكالة التصنيف موديز أن 50 في المائة من القروض المدعومة بالرهون التجارية التي تستحق في 2024 معرضة لاحتمال التأخر عن السداد.
قال توماس لاسالفيا، كبير الاقتصاديين في "موديز"، "إن هذا وضع يتسم حقا بفقدان الثقة، مؤقتا على الأقل، في أصول معينة في السوق". وقال عن مقرضي العقارات التجارية "سيتلقون كلهم ضربة".
خارج سان فرانسيسكو مباشرة في منطقة الخليج الأوسع، عرض عمالقة التكنولوجيا ومنهم "جوجل" و"ميتا" مساحات من مكاتبهم الشاسعة للتأجير من الباطن. قال أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة تحصيل قروض الأوراق المالية التجارية المضمونة بالرهن العقاري المتعثرة "إن ذلك أحدث وضعا غير مريح لأصحاب العقارات والمقرضين الذين لديهم قروض مضمونة بمباني الشركات". وأضاف "إذا لم يستخدموا المساحة، فمن المنطقي أن نستنتج أنهم لن يجددوا عقد الإيجار، وبالتالي ستصبح لديك مشكلة كبيرة مستقبلا لكن لا يمكنك فعل أي شيء حتى انتهاء عقد الإيجار".
تشهد المدينة تراجعا في التكنولوجيا وتوجها نحو العمل عن بعد، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب على المساحات المكتبية.
قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك عالمي كبير للإقراض العقاري "إن سوق المكاتب في سان فرانسيسكو ستواجه ضائقة أكبر مقارنة بأجزاء أخرى من سوق العقارات التجارية". وأضاف أنه "ستكون هناك تحديات في إعادة التمويل مع استحقاق القروض على المكاتب غير الشاغرة.
من الواضح أن الأصول لن تكون قيمتها أكثر من أرصدة الديون حتى لو خصصوا مزيدا من المال، لذا سيسأل الملاك أنفسهم، هل من الأفضل لي أن أعيد الأصل إلى المقرض؟".
ارتفعت مساحات المكاتب الشاغرة في سان فرانسيسكو إلى 30 في المائة، وهي أعلى نسبة في أي مدينة أمريكية كبيرة. كما تضررت الفنادق في سان فرانسيسكو بشدة. ويبلغ متوسط سعر الغرفة اليومي في المدينة 207 دولارات، وهو أقل من مستويات 2019، وهي مدينة من مدينتين أمريكيتين كبيرتين فقط لم ترتفع الأسعار فيها. تعرضت حجوزات الفنادق في سان فرانسيسكو إلى انخفاض عدد المسافرين الصينيين، لأن المخاوف المتعلقة بالسلامة دفعت المؤتمرات التجارية إلى تغيير المدينة.
تأخر فندق كلب كوارترز، وهو فندق أعمال تملكه مجموعة بلاكستون، عن سداد قرض بقيمة 274 مليون دولار منذ 2020. تخلف فندق هنتنجتون، وهو فندق تاريخي فاخر في حي نوب هيل، عن سداد قرض قيمته 56 مليون دولار أصدره "دويتشه بنك" العام الماضي ثم بيع لاحقا في مزاد للرهن بنصف حجم القرض تقريبا.
وفقا لشركة كوستار لبيانات العقارات، أكثر من 20 فندقا آخر في سان فرانسيسكو تملك قروضا تجارية مضمونة لرهن عقاري تستحق في العامين المقبلين، 15 منها مدرجة في "قائمة المتابعة" للمقرض، ما يعني أنه فاتها السداد أو من المحتمل أن تفوت سداد المدفوعات مستقبلا.
أثار العدد المتزايد من حالات التخلف عن السداد في فئات أصول عقارية متعددة مخاوف بشأن انخفاض إيرادات المدينة الضريبية التي يمكن أن تؤجج "حلقة هلاك"، دوامة اقتصادية واجتماعية يصبح من المستحيل عكسها. ستؤدي مباني المكاتب الكبيرة التي يتم تداولها بأسعار مخفضة بشكل كبير إلى تقويض جزء مهم من القاعدة الضريبية للمدينة بسرعة. توقعت سان فرانسيسكو عجزا في الميزانية بقيمة 780 مليون دولار على مدار العامين المقبلين، الأمر الذي سيؤثر في قدرتها على توفير الخدمات العامة أو تقديم حوافز للشركات لتساعد على إنعاش وسط المدينة.
قدم مالكو بعض المباني الشهيرة في سان فرانسيسكو، مثل مقار "ترانس أمريكا بيراميد" و"أوبر" على ساحل ميشن باي، التماسا إلى المدينة لخفض أعبائهم الضريبية نظرا إلى انخفاض قيمة عقاراتهم.
قال لاسالفيا من "موديز"، "مخاوف مدينة سان فرانسيسكو هي أن تفقد ناسها المهمين". وقال" إنه كان هناك تأثير تراكمي"، حيث يؤدي تجار التجزئة وشركات التكنولوجيا المغادرون إلى انخفاض أكبر في حركة المشاة، ما يزيد من المخاطر على بقية المستأجرين والمالكين، الذين سيصبحون حينها أكثر عرضة للتخلف عن السداد.
وأضاف "عندما تصل إلى ما دون النقطة التي تختفي معها تلك الحيوية التي تجذب السياح والعاملين والمتسوقين، فمن الصعب حقا العودة منها".

الأكثر قراءة