هل يظل التضخم مرتفعا؟ «4 من 4»
من الدلائل التي تشير إلى تبني موقف قوي ضد التضخم ما نراه في البنوك المركزية التي نادرا ما يطالب موظفوها برفع هدف التضخم بوجه أعم، وما لم توجد أزمة كبيرة، نرى أن التضخم لن يخرج عن السيطرة إلا إذا اضطرت البنوك المركزية إلى التخلي عن موقفها المعارض للتضخم.
ونتيجة لسياسة الحد الأدنى الصفري، جاءت الاستجابة الفعلية للبنوك المركزية شديدة التفاوت ما بين أعلى وأقل من معدل 2 في المائة المستهدف. ويعد تراجع التضخم عن 2 في المائة أمرا مقبولا لدى البنوك المركزية، لكن تجاوز هذا المستوى يجعلها تتصرف كما لو أن ذلك سيفرض تكلفة كبيرة على مستويات الرفاهة. وفي ظل هذه التحيزات المتفاوتة، شهدت التوقعات التضخمية انخفاضا تدريجيا بمرور الوقت "حتى عن مستوى 2 في المائة في بعض الدول" حتى أصبح سمة متأصلة نسبيا في مسار التضخم وأصبح من الصعب زعزعة هذه التوقعات حال ارتفاع التضخم على المدى القصير.
ستتوقف مدة النوبة التضخمية الحالية على عاملين، أولا، التفاعل بين استمرار ضيق الأوضاع في أسواق العمل واختناقات سلاسل الإمداد واستجابة البنوك المركزية وثانيا، مدة الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على أسعار الطاقة والغذاء والنمو العالمي. وحسب التجارب التاريخية السابقة لن تستمر هذه الطفرة التضخمية الخارجة عن السيطرة لأكثر من عامين. "غير أن بعض الدول ستفقد رقاقتها الزرقاء على الأرجح، وهو ما يرجع أساسا إلى التضخم الذي شهدته بالفعل أثناء الجائحة". لكن هذا التقييم قد يخطئ في مواطن قليلة.
أولا، قد يتراجع موقف البنوك المركزية المضاد للتضخم أمام التداعيات الدائمة للجائحة وعدم اليقين بشأن مسار التعافي وإغراءات رفع التضخم لتخفيف أعباء الدين عالميا. وتستند الدعاوى المطالبة بعدم عرقلة مسيرة التعافي قبل الأوان إلى انخفاض نسبة المشاركة في القوة العاملة مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة. والسؤال المطروح الآن، هو ما إذا كانت دالة الاستجابة قد اختلفت بعد الجائحة؟ وبينما قد تواصل البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة موقفها المعارض للتضخم، فإن خططها المعلنة -بناء على مخططات النقاط "أو الرسوم البيانية المماثلة" الصادرة عنها في الوقت الحالي- قد لا تتناسب مع متطلبات خفض التضخم. وتشير حسابات تم إجراؤها باستخدام قاعدة تيلور التقليدية، إلى أن خفض التضخم في عدد من الدول يمكن أن يتطلب تطبيق زيادات في أسعار الفائدة قد تصل إلى 7 في المائة.
وثانيا، تذهب دراسة John Cochrane Varadarajan 2022 إلى أن رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم ليس إلا أداة خرقاء، ولا سيما إذا كان مصدرها هو سياسة المالية العامة. وتشبه تراخي سياسة المالية العامة ورفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم بسائق يضغط على بدال السرعة وعلى المكابح في آن واحد. وتشير الدراسة إلى أنه إذا ما بدأت الشكوك تتسلل إلى المواطنين بخصوص مدى التزام الحكومة بسداد ديونها دون خصمها من خلال رفع معدلات التضخم، فإن ذلك سيؤدي إلى تدهور حاد في أوضاع التضخم.
وعلى الرغم من الصدمات التي لحقت بالاقتصاد العالمي فإن أداء التضخم فيما بعد 2025 سيعتمد في الأساس على عاملين، مدى إصرار البنوك المركزية على السيطرة على التضخم، وثقة أسواق السندات برغبة الحكومات في سداد ديونها دون رفع معدلات التضخم للتخفيف من أعباء الدين.