في عالم لا يمكن التنبؤ به .. الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بمأمن
في الأيام الخوالي، قبل عامين، كانت أي شركة ناشئة تبحث عن المال ستضع "العملات المشفرة" أو "ميتافيرس" في عرضها التقديمي قبل أن تنتقل إلى مستثمري رأس المال المغامر في توقع متلهف للنجاح. قال أحد مستثمري رأس المال المغامر مازحا هذا الأسبوع "في الأسواق التي اتسمت بالمضاربة والتقييمات العالية في 2021 يمكن لأي شخص تقريبا لديه عنوان بريد إلكتروني جمع الأموال".
في الوقت الحاضر، أصبحت تسميات التشفير والميتافيرس موضة قديمة في الوقت الذي أثار فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي جنونا جديدا في التمويل. فهذا الأسبوع، جمعت شركة ميسترال الفرنسية الناشئة التي يبلغ عمرها شهرا، التي لم تطور بعد منتجها الأول، مبلغا مثيرا للدهشة قدره 105 ملايين يورو في أكبر جولة تأسيسية للتمويل في أوروبا على الإطلاق. حيث يهدف مؤسسو "ميسترال" الثلاثة إلى إطلاق منافس أوروبي لنموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الشهير شات جي بي تي من شركة أوبن إيه آي العام المقبل.
عندما يتعلق الأمر باستثمار رأس المال المغامر، قد يكون من المغري التفكير: إنها اللعبة نفسها، بتسمية مختلفة. لا يستطيع أصحاب رأس المال المغامر المضاربون أن يمنعوا أنفسهم من إلقاء الأموال على أي شيء مثير حتى مع أضعف أثر لنبض مالي.
لكن هذا من شأنه أن يتجاهل تحولا جذريا في بيئة عمل صناعة رأس المال المغامر على مدى العامين الماضيين. فقد تأرجحت دورة السوق بشكل كبير. وتحولت الخلفية الجيوسياسية إلى البشاعة. والمفارقة هنا هي أن النشوة بالقوة التحويلية التي يتمتع بها الذكاء الاصطناعي تعمل في حد ذاتها على تكديس جبل من الشكوك الاستثمارية.
إن واحدة من أقوى الحجج لقوة الذكاء الاصطناعي التحويلي قدمها مارك أندريسن مستثمر رأس المال المغامر في مقاله "لماذا سينقذ الذكاء الاصطناعي العالم". رافضا الذعر الأخلاقي الذي رافق طرح التكنولوجيا، يقول أندريسن المناضل "إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون وسيلة لجعل كل ما يهمنا أفضل".
حيث يكتب "من المحتمل جدا أن يكون الذكاء الاصطناعي أهم -وأفضل- شيء أوجدته حضارتنا على الإطلاق، وبالتأكيد على قدم المساواة مع الكهرباء والرقائق الدقيقة، وعلى الأرجح أبعد منها".
شجعت هذه الإثارة في وادي السيليكون على زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي. فقد توقعت "مايكروسوفت"، التي استثمرت بكثافة في شركة أوبن إيه آي وتقوم بتضمين خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي في خدماتها، زيادة كبيرة في إيراداتها من هذه التكنولوجيا.
قالت إيمي هود، المديرة المالية لشركة مايكروسوفت، للمستثمرين هذا الأسبوع "سيكون الجيل التالي من شركات الذكاء الاصطناعي المقومة بعشرة مليارات دولار هو الأسرع نموا في تاريخنا".
لكن بعض المستثمرين يجادلون بأن نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لشركات التكنولوجيا الكبرى لن تستحوذ بالضرورة على معظم القيمة لأنها تحولت إلى سلعة بشكل متزايد وقد تتفوق عليها نماذج أصغر مفتوحة المصدر. وقد يتم جني مزيد من الأموال من قبل الشركات التي تمتلك بيانات في صناعة معينة ويمكنها الاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لمعالجة حالات استخدام محددة. حيث يقول هيمانت تانيجا، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال كاتاليست لرأس المال المغامر "هذه هي استراتيجيتنا الاستثمارية".
لكن شركات رأس المال المغامر تراجع أيضا تقييمات محافظها الاستثمارية الحالية بقلق، نظرا للتأثير الثوري الذي ستحدثه في جميع شركات البرمجيات. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، أخبرني ثلاثة من مؤسسي الشركات الناشئة بأنهم اضطروا إلى التخلص من خطط أعمالهم الأصلية بسبب إطلاق أنموذج جي بي تي-4 الأكثر قوة من "أوبن إيه آي" هذا العام، ما يجعل استخدامهم الإصدارات السابقة عتيقا. هذه هي سرعة تطور التكنولوجيا لدرجة أن الشركات الناشئة وشركات رأس المال المغامر حذرة من المراهنة كثيرا على أي أنموذج واحد للذكاء الاصطناعي التوليدي خوفا من أن يبدو قديما قريبا.
يأتي عدم اليقين هذا في وقت تتحدث فيه بعض شركات رأس المال المغامر، مثل إنسايت بارتنرز، عن "إعادة ضبط كبيرة" في صناعتها وتقلص عمليات جمع التبرعات. وقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تقويض قدرة الشركات الناشئة المبنية على رأس المال الرخيص على البقاء. ويبدو أن تلك الشركات التي تم إنشاؤها في عصر سياسات أسعار الفائدة الصفرية، التي تمت تسميتها بـ"مواليد عصر الفائدة الصفرية"، من غير المرجح الآن أن تكبر.
كما أن الانخفاض الحاد في تقييمات السوق الخاصة جعل من الصعب على الشركات الناشئة وشركات رأس المال المغامر الاستفادة ماليا من التعويم في سوق الأسهم. فقد انهارت هذا العام عمليات جمع رأس المال المغامر، التي ارتفعت إلى 171 مليار دولار في 2022. حيث جمعت صناديق الاستثمار الأمريكية 12 مليار دولار فقط في الربع الأول، وفقا لشركة بتش بوك.
أضف إلى ذلك بعض الاضطرابات الجيوسياسية فيصبح المستقبل أكثر غموضا. إذ أدى التنافس التكنولوجي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين إلى قيام شركة سيكويا كابيتال لرأس المال المغامر بفصل ذراعها الصينية الناجحة للغاية.
ولت الأيام الجيدة عندما كان بإمكان شركات رأس المال المغامر أن تزدهر من خلال تبني استراتيجية استثمار "انشر وصل" (تعبير للشركات التي تستخدم طرق الإعلانات التقليدية على وسائل الإعلام الكبيرة) والاعتماد على سوق صاعدة لرفع جميع التقييمات، حتى عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. وسيتعين على المستثمرين القيام بمراهنات ذكية ومنفصلة في وقت الاضطرابات التكنولوجية وفي عالم لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير. لكن هذا، بعد كل شيء، هو عملهم.