السحابة .. تهديد جديد للاستقرار المالي

السحابة .. تهديد جديد للاستقرار المالي

قبل ثلاثة أسابيع، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية إطلاق لجنة رقابة جديدة تسمى "المجموعة التوجيهية التنفيذية السحابية".
بالكاد تلقت أي اهتمام من الجمهور. لا عجب في ذلك، مقارنة بالجدالات الهائلة حول العملات المشفرة أو شات جي بي تي أو توجه أوروبا الجديد نحو كسر هيمنة جوجل على تكنولوجيا الإعلانات والحوسبة السحابية - منصات تخزين البيانات العامة والخاصة ومعالجتها التي تديرها شركات التكنولوجيا الكبرى - فهي تبدو مملة بشدة. لدرجة أن معظم الأمريكيين يرون أمازون على أنها شركة عملاقة للتجزئة عبر الإنترنت "فقط"، على الرغم من أن قسمها السحابي الآن يحقق عوائد ضخمة.
لكن المستثمرين ومستهلكي الخدمات المالية على حد سواء يجب أن يحذروا. حيث أعلن تقرير من لجنة البنية التحتية للمعلومات المالية والمصرفية غير المعروفة التابعة لوزارة الخزانة في وقت مبكر من هذا العام أن المنظمين يشعرون بالتوتر بشأن المخاطر المالية النظامية الناشئة عن السحابة. في الواقع، أشار بنك التسويات الدولية العام الماضي - محاكيا عمل البنوك المركزية الأوروبية - إلى أن "الاعتماد المتبادل بين شركات التكنولوجيا الكبرى" قد أصبح "نقطة عمياء مهمة في السياسة".
بالتالي، إن السؤال المهم للجنة السحابية التابعة للخزانة - التي تضم كلا من المنظمين والمصرفيين مثل بيل ديمشاك من بي إن سي - هو ما إذا كان يمكن إصلاح هذه "النقطة العمياء" قبل اندلاع حادثة ليست مملة.
هناك ثلاث مشكلات على الأقل يجب أن تؤخذ في الحسبان. الأولى هي سرعة التغيير في ممارسات الحوسبة. يشير تقرير لجنة البنية التحتية للمعلومات المالية والمصرفية إلى أن أكثر من 90 في المائة من أعضاء جمعية المصرفيين الأمريكية يحولون نشاطاتهم إلى السحابة، على الرغم من أن أكثر من 80 في المائة يقولون إن هذا كان في مرحلة مبكرة. منذ أشار استطلاع منفصل إلى أن ثلثي البنوك تتوقع أن يكون 30 في المائة من نشاطها سحابيا في الأعوام الثلاثة المقبلة، تحسب لجنة البنية التحتية للمعلومات المالية والمصرفية أن استخدام السحابة سيتضاعف ثلاث مرات بحلول ذلك الوقت. يبدو النمط في أوروبا مشابها.
ثانيا، المنظمون الماليون غير مجهزين للتعامل مع هذا النمو الهائل. لطالما عانوا لتتبع تكنولوجيا المعلومات، حيث إنهم كانوا يوظفون اقتصاديين لا تقنيين على مر التاريخ. لكن عندما كانت الشركات المالية تدير عمليات تكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم، كان للمنظمين تفويض على الأقل لمراقبتها.
لكن، الاندفاع نحو السحابة يضع مزيدا من النشاط في أيدي شركات التكنولوجيا الكبرى التي لم تواجه تدقيق البنك المركزي الجاد من قبل. يعتقد بعض الملاحظين، مثل أجوستين كارستنز، رئيس بنك التسويات الدولية، أن الإصلاح متأخر لتمديد "النطاق التنظيمي". قد يكون الأمر كذلك.
لكن شركات التكنولوجيا العملاقة الأمريكية ستقاوم بشدة جهودا وضعتها تحت إشراف البنوك المركزية أو المنظمين الماليين الآخرين - ولا يظهر البيت الأبيض حاليا رغبة كبيرة لخوض تلك المعركة. يترك ذلك السحابة في منطقة رمادية من التنظيم المالي. "بسبب السلطات القانونية المختلفة لكل جهة، لا تستطيع جهة واحدة النظر عبر عديد من حالات الاستخدام وشبكة الاعتماد على الخدمات السحابية داخل القطاع المالي"، كما لوحظ في تقرير لجنة البنية التحتية للمعلومات المالية والمصرفية. بلغة أوضح: هذا ضباب.
ثالثا، طالما كانت البيانات متاحة، يبدو أن هناك مخاطر تركيز كبيرة متزايدة. قد يبدو هذا مفاجئا. بعد كل شيء، أحد أسباب اندفاع المجموعات المالية إلى السحابة هو تقليل اعتمادهم على مراكز البيانات الداخلية المكلفة والتي يحتمل أن تكون عرضة للخطر. من المفترض أن يكون النموذج الموزع أكثر صمودا.
لكن إحدى المفارقات المريرة للتمويل هي أن الابتكارات التي تهدف إلى تقليل الخطر عن طريق توزيعه، يمكن أن تركزه أحيانا بطرق جديدة مفاجئة نصف مخفية. خذ الائتمان على سبيل المثال. قبل 2008، كان من المعتقد أن الابتكارات مثل منتجات الرهن العقاري التي تم توريقها ستعزز الصمود من خلال نشر خطر التخلف عن السداد إلى ما وراء البنوك.
ولكن عندما ضربت أزمة 2008، ظهر أن عديدا من اللاعبين قد حوطوا أنشطتهم بصمت مع الجهة نفسها – إيه أي جي فاينانشيال برودتكس. أدى ذلك إلى إنشاء، سنستخدم مصطلحا هندسيا، "نقطة انهيار حاسمة" مخفية سببت صدمات عندما تزعزعت إيه أي جي فاينانشيال برودتكس.
تحاكي الحوسبة السحابية ما يسمى بقضية نقطة الانهيار الحاسمة، كما قال مايكل هسو، القائم بأعمال مراقب العملة، لبنك التسويات الدولية في وقت سابق من هذا العام. ولا سيما - وكما تشتكي بروكسل عادة - أن من يسيطر على السحابة هو احتكار الأقلية المكون من أماوزن ومايكروسوفت وجوجل. إذا تعرض أحد هؤلاء اللاعبين لهجوم إلكتروني كبير أو اضطراب مرتبط بالطقس أو أفلس ببساطة، فسيزعزع ذلك النظام.
يصر المسؤولون التنفيذيون في شركات التكنولوجيا الكبرى على أن هذا لن يحدث. أي شخص سيتمنى ذلك. ومن شبه المؤكد أن هذه الشركات الضخمة أفضل في التعامل مع المخاطر الإلكترونية من الفرق الداخلية للبنوك. لكن اختراق سولار ويندز في 2020 على أنظمة مايكروسوفت السحابية أظهر أنه لا أحد معصوم من الخطأ. كذلك فعلت قصة أي أوه إن الأخيرة واختراق بيانات كابيتا.
حتى دون مخاطر إلكترونية، فإن القوة التجارية التي يمارسها احتكار الأقلية مقلقة، خاصة بالنسبة إلى الأوروبيين. في الواقع، لقد بدأ مكتب أوفكوم البريطاني تحقيقا.
لذا، تتجه جميع الأنظار الآن نحو لجنة وزارة الخزانة السحابية. مع الأسف لا توجد حلول سهلة، أو لن توجد ما لم تفعل الحكومة الأمريكية شيئا يبدو أنها غير راغبة أو غير قادرة على التفكير فيه - أي تفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى و/أو فرض ضوابط حكومية صارمة. لكن فيما عدا ذلك، تظهر المشكلة أن الذكاء الاصطناعي ليس الموضوع التقني الوحيد المهم الآن. ربما ينبغي أن تسأل لجنة السحابة شات جي بي تي عن كيفية إبطال تهديد نقطة الانهيار الحاسمة. قد يكون تحمل الجواب أسهل بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا الكبرى من سؤال بروكسل.

الأكثر قراءة