بعض خصائص وتحولات السعودية السكانية
تستهدف التعدادات جمع أكبر قدر من الإحصاءات والبيانات الاجتماعية والسكانية والمعيشية عبر البلاد، وليس التعرف فقط على إجمالي عدد السكان. وأجري في المملكة العام الماضي 2022 أحدث التعدادات السكانية. ونشرت أخيرا نتائج التعداد السكاني، التي جاءت مخالفة لتوقعات كثيرين وحفلت بعديد من المفاجآت، التي كان أبرزها تراجع تقديرات إجمالي عدد السكان في المملكة، والمواطنين بالذات، مقارنة بالتقديرات السابقة. لم يكن انخفاض إجمالي عدد سكان المملكة، وتضخم أعداد المقيمين، المفاجأتين الوحيدتين في التعداد الأخير، حيث حفل بعدد آخر من المفاجآت، من بينها تراجع حجم الأسرة السعودية، وكذلك تراجع خصوبة المواطنات. من جانب آخر، استمر تكوين الشباب معظم السكان، وتشكيل الذكور أغلبيتهم. أما على أساس المناطق، فقد احتلت منطقة الرياض المركز الأول بين مناطق المملكة في إجماليات أعداد السكان والسعوديين والوافدين.
تراجع حجم الأسرة بوجه عام في 2022 إلى 3.7 فرد، والأسر السعودية بوجه خاص إلى 4.8 فرد، بعدما كان متوسط حجم الأسرة السعودية 6.1 فرد في 2004. وهذا تحول ملحوظ وربما يعد سريعا. وأتى هذا التحول نتيجة عدد من المؤثرات، كارتفاع معدلات التحاق المرأة بالتعليم العالي والعمل، والتحولات الثقافية، وتأخر سن الزواج، وازدياد تكاليف رعاية الأسر. وأسهمت العوامل السابقة وازدياد استخدام وسائل تنظيم الأسرة في خفض خصوبة المرأة السعودية من 3.8 في 2011، إلى 2.8 في 2022. وسيقود تراجع خصوبة المرأة السعودية إلى تراجع معدلات النمو السكاني المستقبلية. وتمر الدول خلال مراحل التنمية بتغيرات في معدلات النمو السكاني، حيث ترتفع معدلات النمو السكانية السنوية في بداية مراحل التنمية، ثم تتراجع مع تقدم الدول في مراحل تنميتها، كما يشير إليه بعض النظريات الاقتصادية المستقاة من تجارب الدول.
احتلت منطقة الرياض قمة المناطق في تعداد السكان، حيث بلغ إجمالي عدد سكانها 8.6 مليون نسمة. وشكلت مدينة الرياض معظم سكان المنطقة بنحو سبعة ملايين نسمة. وكانت منطقة مكة المكرمة تحتل المركز الأول في عدد السكان بين المناطق في التعدادات السكانية السابقة، ما يشير إلى تزايد الهجرة الداخلية والخارجية نحو منطقة الرياض، ومدينة الرياض بالذات. أما بالنسبة إلى المناطق الأخرى، فقد احتلت منطقة مكة المكرمة المركز الثاني بين المناطق بعدد سكان يقارب ثمانية ملايين نسمة. وجاءت المنطقة الشرقية ثالثا بنحو 5.1 مليون نسمة. وبهذا تسهم المناطق الرئيسة الثلاث بنحو ثلثي سكان المملكة.
تحتل منطقة الرياض المركز الأول في عدد السعوديين والأجانب بين المناطق، حيث يشكل المقيمون نحو 48.3 في المائة من سكانها، ونسبة 48.2 في المائة من سكان منطقة مكة المكرمة، ونحو 42.4 في المائة من سكان المنطقة الشرقية. أما في المدن الكبرى الرياض وجدة ومكة المكرمة والدمام وبعض المدن الأقل سكانا والنشطة اقتصاديا في المنطقة الشرقية فيكون المقيمون أغلبية السكان. وتتراجع نسب المقيمين في المناطق الأقل سكانا حتى تنخفض في منطقتي الجوف والباحة إلى نحو 26 في المائة من إجمالي السكان. وتشير البيانات إلى اجتذاب المناطق السكانية الكبرى في المملكة الهجرات الخارجية التي تأتي على هيئة مقيمين أجانب، إضافة إلى اجتذابها هجرات المواطنين من باقي المناطق بسبب تركز الأنشطة الاقتصادية فيها وتحول مدنها الرئيسة إلى مراكز نمو. ويشير التعداد أيضا إلى أن مدينة الرياض هي أهم مركز نمو ونشاط اقتصادي وجذب سكاني في المملكة. ولهذا من المرجح أن تستمر الهجرات الداخلية والخارجية إلى مناطق الجذب الرئيسة، خصوصا مدينة الرياض، خلال الأعوام المقبلة.
يظهر التعداد الأخير استمرار ارتفاع نسب الذكور إلى إجمالي السكان "61.2 في المائة" مقارنة بعدد الإناث "38.8 في المائة"، وهذه النسب متوقعة بسبب تركز استقدام الأيادي العاملة الأجنبية في الذكور، وارتفاع تكاليف اصطحاب الأسر المقيمة. أما بالنسبة إلى السعوديين، فإن نسب الذكور أكثر بقليل "50.2 في المائة" من نسب الإناث. ويلاحظ أن نسبة الإناث ترتفع قليلا في التجمعات السكانية الأقل عددا، بينما ترتفع نسبة الذكور قليلا في المدن الأعلى سكانا. من جانب آخر، ترتفع قليلا نسب الإناث السعوديات في التجمعات السكانية الصغيرة، حيث تنخفض الإنشطة الاقتصادية، كما قد تتراجع الدخول بين العاملين في تلك الأماكن، ما يدفع إلى هجرة الذكور إلى المناطق الأخرى. أما بالنسبة إلى المقيمين فتتباين نسب الذكور والإناث كثيرا، حيث تقل نسبة الإناث بينهم عن ربع الإجمالي.
يظهر التعداد استمرار اتصاف سكان المملكة، والسعوديين خصوصا، بالحيوية والشباب. وتشير بيانات التوزيع العمري، إلى أن المتوسط لعموم السكان كان 29 عاما، وانخفض للسعوديين إلى 25.4 عام. وتراجع المعدل أكثر في المناطق الحدودية حيث وصل في الجوف إلى 21.7 عام للسعوديين. أما الوسيط العمري فانخفض إلى 29 عاما لجميع السكان، و22 عاما للسعوديين "أي إن نصف السعوديين تحت هذا العمر"، وتدنى في الجوف إلى 17 عاما. وهو ما يعني ارتفاعا كبيرا في احتياجات التعليم والتدريب المستقبلية، وكذلك تدفق أعداد كبيرة من المواطنين إلى سوق العمل خلال العقدين المقبلين وربما تضاعف أعدادهم. كما يتطلب تركيز الأسواق على تلبية الطلب المتزايد على السلع والخدمات التي يميل إليها الشباب.