الأيدي الخبيثة تمد مخالبها إلى المصدر المفتوح

الأيدي الخبيثة تمد مخالبها إلى المصدر المفتوح

خلال ذروة جائحة كوفيد - 19، طرح بعض المسؤولين الأمريكيين ذوي النوايا الحسنة فكرة جديدة: لم لا نضع تفاصيل التهديدات الفيروسية حيوانية المصدر المعروفة على الإنترنت، لتمكين العلماء في جميع أنحاء العالم من التنبؤ بالمتحورات التي قد تظهر بعد ذلك؟ على أمل إيجاد ترياق لها.
من الناحية النظرية، بدت الفكرة جذابة. أظهر لنا كوفيد تكلفة تجاهل الجوائح. كما كشف عن التقدمات المذهلة التي يمكن أن تحدث عندما تخصص الحكومات أخيرا الموارد لإيجاد اللقاحات بسرعة.
كشفت عمليات الإغلاق عن شيء آخر: في حين كان العلماء يجدون صعوبة في العصف الذهني إذا كانوا منفصلين فعليا أو يعملون في مؤسسات مختلفة، فقد تعلموا أثناء عمليات الإغلاق تنظيم الاجتماعات عبر مكالمات الفيديو التي مكنت الابتكار عبر الحدود.
لذا كان جزء من مبادرة "ديب في زد إن"، اختصارا لاكتشاف مسببات الأمراض الناشئة والبحث فيها، الأمراض الفيروسية حيوانية المنشأ، وهي فرع من مشروع جلوبال فايروم، وهو أن منصة الفيروسات مفتوحة المصدر يمكن أن تثير العصف الذهني العالمي، ولا سيما في الأسواق الناشئة التي غالبا ما أقصيت من مثل هذه المناقشات.
إن ذلك ملهم للغاية حتى الآن. لكن عندما طرحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فكرة "ديب في زد إن"، اكتشف بعض العلماء مشكلة: نشر تفاصيل الفيروسات عبر الإنترنت يمكن أن يسمح للأطراف السيئة باستنساخ الأمراض المميتة وجعلها أسوأ. "من الطبيعي أن ترغب في فهم التهديدات. لكن (...) نحن لا نبحث عن طرق جديدة وأسهل لإنشاء أسلحة نووية، والجوائح لا تختلف عن ذلك"، كما كتب على منصة تويتر كيفن إيسفلت، خبير في التكنولوجيا الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الذي ساعد على تطوير مشروع كريسبر لهندسة الجينوم. وأضاف، "حتى لو كان التعرف على الفيروسات الوبائية مسبقا يمكن أن يتيح لنا منع جميع الجوائح الطبيعية، فإن فعل ذلك سيعطي حتما عشرات الآلاف من الأفراد (...) القدرة على تأجيج مزيد من الجوائح".
بعد موجة من الشكاوى، أوقفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الجانب مفتوح المصدر لـ"ديب في زد إن". قال متحدث باسم الوكالة "إننا نأخذ السلامة على محمل الجد بشكل كبير (...) وفي هذه الحالة، بالتشاور مع زملائنا عبر الإدارة ومع الكونجرس، شرعنا في عملية مراجعة شاملة"، مشيرا إلى أن، "مجال البحث هذا لم يستمر".
بعد عامين، قد يبدو هذا مجرد هامش تاريخي، لكنه ليس كذلك. يخشى بعض المراقبين عودة "البحث التنبؤي". دقت أجراس الإنذار أخيرا في الكونجرس بشأن المخاطر. على نطاق أوسع، تقدم مبادرة "ديب في زد إن" بعض الدروس المفيدة للذكاء الاصطناعي مع احتدام الجدل حول ذلك. أولا، توضح سبب حاجتنا إلى أن يشارك مزيد من العلماء في السياسة وصنع السياسات، ولكي يعملوا مع غير العلماء.
يبدو هذا واضحا. لكن أحد التفاصيل الصادمة حول الكونجرس الأمريكي هو أن عددا قليلا فقط من أعضائه تلقوا تدريبا في العلوم أو الهندسة، في تناقض حاد مع دول مثل ألمانيا أو الصين. والأسوأ من ذلك أن البعض أصبح معاديا بشكل متزايد للعلم في الأعوام الأخيرة. الرئيس السابق دونالد ترمب هو مثال على ذلك.
في 2016، أنشئت منظمة ناشطة تسمى "أكشن 314 " لدعم العلماء الذين يرغبون في الترشح للمناصب العامة. حققت المنظمة بعض النجاح بالفعل، ما دفعها إلى الادعاء عبر موقعها الإلكتروني أنه "في 2018، لعبنا دورا محوريا في قلب مجلس النواب الأمريكي من خلال انتخاب تسعة مرشحين علماء لأول مرة". كما ستدعم المرشحين المؤيدين للعلوم في سباق العام المقبل. لكن لا يزال هناك طريق طويل أمامنا، وبالنظر إلى السرعة التي تتطور بها تكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي، فإن هذا يدعو إلى القلق.
الدرس الثاني هو أن صانعي السياسات بحاجة إلى التعامل مع فكرة الشفافية بحذر، ليس فقط مع مسببات الأمراض، بل مع الذكاء الاصطناعي أيضا. حتى الآن، اختار بعض خبراء الذكاء الاصطناعي الغربيين نشر أبحاثهم المتقدمة على منصات مفتوحة المصدر لدعم قضية العلم والفوز بالجوائز. لكن مثلما أدرك خبراء التكنولوجيا الحيوية أن نشر تفاصيل مسببات الأمراض قد يكون خطيرا، فإن خبراء الذكاء الاصطناعي بدأوا يدركون خطورة وقوعه في أيد خبيثة.
تكمن المعضلة في أن الحفاظ على ملكية أبحاث الذكاء الاصطناعي يثير أيضا مشكلات مجتمعية كبيرة. المؤسسات التي لديها الموارد اللازمة لأبحاث الذكاء الاصطناعي في الغرب هي شركات التكنولوجيا الكبرى في الغالب. لكن قليلا من الناخبين يريدون ترك السيطرة لها فيما يتعلق بأبحاث الذكاء الاصطناعي أو القرارات حول مواعيد نشرها.
هذا يقودنا إلى درس رئيس ثالث: يجب على المواطنين المهتمين التعبير عن رأيهم. إنه أمر مروع، نظرا لقوة شركات التكنولوجيا والحكومات. لكن روب ريد، مستثمر تكنولوجي ومقدم بودكاست ساعد على إشعال الاحتجاجات حول "ديب في زد إن"، يشير إلى أن حملتهم كانت مدفوعة بشكل أساسي من "مجموعة أطراف خارجية (أمريكية) مهتمة تعيش حياة مزدحمة"، الذين شعروا بأنهم مضطرون إلى تحذير الناس ومتمكنون من ذلك. "لم يكن من الممكن أن يحدث هذا الاحتجاج في بلد شمولي"، كما يضيف. ويظهر ذلك أنه لمجرد أن التكنولوجيا تتقدم بسرعة مرعبة، فإننا لا نحتاج إلى الاستسلام للعجز أو الجهل السلبي.

الأكثر قراءة